"ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح
رست يوم أمس، الحفارة "ترانس أوشن برنتس" في المكان المحدّد لها فوق حقل "قانا"، في نقطةٍ تقع إلى أقصى الجنوب من البلوك رقم 9 الواعد على بعد 70 كلم من بلدة الناقورة، وهي في صدد حفر البئر الإستكشافية الأولى بين 10 أيام إلى 15 يوماً على أبعد تقدير، على أن يأخذ الحفر مدّة لا تتجاوز 67 يوماً من تاريخ بدء الأعمال، بحسب "خطة العمل" الموضوعة بين شركة "توتال" و "هيئة إدارة قطاع البترول" التابعة لوزارة الطاقة.
يتخلل هذه الفترة، بدء أعمال تجهيز الحفارة للقيام بمهامها، وهذا سيستغرق أسبوعاً ونصف على أبعد تقدير من تاريخ رسوّها. وفي هذا السياق، يتوقع أن تصل أولى الإمدادات اللوجستية إلى الحفارة خلال الأيام القليلة المقبلة، ليتمّ تدشين "الخط 96" الذي افتتحه وزير الأشغال في حكومة تصريف الاعمال علي حمية رسمياً.
أهمّ ما يجب التركيز عليه خلال هذه الفترة مدى احتمال حصول اكتشاف من عدمه، وتحضير الأجواء، ومواكبة مفاوضات "توتال" مع العدو الإسرائيلي حول النسب التي ستعود إليه جراء تخلّيه عن الجزء الجنوبي في حقل "قانا" وفقاً لما جرى التوصّل إليه في الترسيم البحري، في ظل مخاوف حقيقة من استخدام العدو هذه النقطة بالذات في سياق محاولته تأخير تقدم لبنان على هذا الصعيد.
أيضاً، يجب مواكبة الإجراءات الأخرى المتعلقة بإبرام "عقود الإستخراج" في حال استكشاف كميات تجارية وتأكيد إبعادها عن أي تأثير سلبي قد يقف العدو خلفه. ويعتقد أن مشروعه لما بعد الإكتشاف هو "عرقلة إبرام العقود" من خلال عدة وسائل من بينها إثارة أجواء غير مشعجة لا تخدم قدوم الشركات، وهو ما تتنبه إليه المقاومة بدقة. ومن المعروف أن الغاز يتيح إبرام عقود البيع قبل الإستخراج على شكل "حجز كميات" خلافاً للنفط السائل، وهو الهدف الإستراتيجي الواعد بالنسبة للبنان.
تقنياً، يعني الإنتقال إلى المرحلة الثانية من الحفر، أي إطلاق الدولة مناقصات لبدء حفر آبار تجريبية أخرى في الحقل المذكور لا يقل عددها عن 3 أو 4 لتخمين دقيق لما يوجد البئر وبدء المسار العملاني للإنتاج. قبلها سيتمّ، وفور الإعلان عن وجود اكتشاف، البدء في مرحلة استخراج تجريبي أو إختباري، الهدف منه بحسب مصادر تقنية وأخرى عليمة، التأكد من طبيعة موجودات البئر وجودتها، وأخذ عينات للبدء في دراستها. وفي معلومات "ليبانون ديبايت"، أن هذا الإجراء التقني سيتطلب من 15 إلى 20 يوماً لتجهيزه بعد انتهاء مدة الـ67 يوماً المتوقعة لإنجاز عملية الحفر، لنكون عملياً على بعد 3 أشهر فاصلة عن بدء الإستخراج الأول التاريخي من حقل "قانا".
أمّا في حال إعلان الشركة عدم حصول اكتشاف، فهذا يُرتّب على الدولة اللبنانية الذهاب نحو تحول كامل، واستبدال خياراتها الحالية في التعاطي مع الملف بأخرى أكثر فعالية، لاسيّما وأن الشركات الغربية عادةً ما تقع تحت تأثير الضغوطات ما يُسهم في تعديل مواقفها. وفي ظل هذا الحديث، لا يمكن إغفال "لعنة البلوك رقم 4" التي ما زالت تسيطر على أفكار قسم كبير من المتابعين لملف النفط والغاز، خصوصاً وأن البلوك رقم 9 الذي يُقال أنه واعد، يقع في جوار الأراضي التي تحتلها إسرائيل وتستخدمها في إنتاج الغاز. وغالباً، لا تفضّل إسرائيل أن يكون في جوارها دول غنية ومكتفية. يعيدنا ذلك إلى تجربة أخرى، ستكون فيها المقاومة بالمرصاد لأي تلاعب من نوع حرمان اللبنانيين من حقوقهم.
في العودة إلى المسائل التقنية، كانت قد أثيرت خلال المرحلة الماضية معلومات كثيرة حول "قاعدة الخدمات اللوجستية"، وقيل أن شركة "توتال" بصفتها المشغّل الرئيس وصاحب الحق في الرقعة 9، تفضل استخدام قاعدتها اللوجستية الموجودة في قبرص إلى جانب قاعدتها الأساسية في مرفأ بيروت، من زاوية رغبتها ورغبة اللبنانيين في الإسراع بعملية الإستكشاف.
في هذه القضية إشكالية ظاهرة، إذ من غير المعهود أن تقوم شركة ما باستخدام "قاعدتين لوجستيتين" في دولتين مختلفتين في خدمة حفر بئر واحد يقع في دولةٍ منهما. لكن وبالفعل، يتبيّن أن شركة "توتال" أوكلت "قاعدة الخدمات" الموجودة في قبرص مهمات أساسية ورئيسية لها علاقة بعملية الحفر في حقل "قانا"، مع الإشارة إلى أن هذه المهمات من صلب مهام القاعدة الأساسية، ما أصاب الكثير من المتابعين بالإلتباس، مخافة أن يتكرّر هذا الأمر في التجارب المستقبلية، من زاوية أن لبنان بلد يشتهر بالإعتماد على "الأعراف".
يتبيّن بحسب المتابعة، أن الخدمة التي ستقوم "قاعدة خدمات" توتال في قبرص بتوفيرها لـ"الحفار" في "قانا" لا تتعدى الـ10% من نسبة الخدمات الإجمالية. وتتراوح الخدمات بشكلٍ أساسي، بين تزويدها بمواد خاصة من الطين تُوضع داخل البئر وتستخدم في عملية "التركيز" خلال الحفر بشكلٍ لا يؤدي إلى انفجاره، وأخرى عبارة عن "إسمنت" خاص يُستخدم خلال الحفر، وهي عادة مواد غير موجودة داخل لبنان، وكذلك لا يتمّ إنتاجها في قبرص، إنما تستقدمها الشركة المكلفة بعملية الحفر ويتمّ تصنيعها تحت إشرافها.
وتقول مصادر مطلعة على مسار الحفر، أنه سبق لشركة "توتال" أن بنت منشأة في مرفأ بيروت خلال ورشة الحفر في البلوك رقم 4 مخصصة لإنتاج هذا الطين لكنها تعرّضت للتدمير خلال الإنفجار الذي تعرّض له مرفأ بيروت عام 2020، ولا مجال لبناء منشأة أخرى جديدة، بسبب ضيق الوقت فضلاً عن الإجراءات الإدارية التي اتخذتها إدارة مرفأ بيروت بُعيد التفجير، ومنها منع تخزين المواد الخطرة، فيما يندرج "الطين" و "الإسمنت" المخصص للإستخدام خلال عمليات حفر آبار الغاز، ضمن المواد الخطرة كونه خليط كيميائي دقيق، وهي ذريعة رئيسية أدت للإعتماد على قبرص كموقع لتخزين هذه المواد.
سبب آخر تقول المصادر أنه جوهري، له علاقة بارتفاع عقود التأمين في ما له صلة بمرفأ بيروت بعد الإنفجار الذي تعرض له، إضافةً إلى تجنّب الكثير من الشركات العمل فيه مخافة انخفاض ما تقول إنها "تدابير الأمن". ما بقيَ منها وجرت مراسلته في السابق خلال افتتاح دورات تلزيم الخدمات من قبل "توتال"، قدم عروضاً مكلفة مالياً قياساً بالأرقام التقليدية.
عملياً، تقول مصادر على بيّنة من عملية الحفر، أن الدولة اللبنانية ممثلة بهيئة إدارة قطاع البترول التابعة لوزارة الطاقة، قدّمت كل التسهيلات اللازمة للشركة المشغّلة للتسريع وتيرة عملية الإكتشاف، وفي كثير من الأحيان جرى تجاوز مصاعب ومشاكل تقنية عدة. لكن ذلك وعلى أهميته، لا يخفي خشية فريق وازن من أجندات مخفية لدى "توتال".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News