اقليمي ودولي

placeholder

الحرة
الخميس 25 تموز 2024 - 09:45 الحرة
placeholder

الحرة

خطاب الـ 55 دقيقة... نتنياهو حمل للكونغرس "وصفة انفجار" جديدة

placeholder

وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على منصة الكونغرس، مستعرضا رؤيته لمستقبل غزة بعد الحرب، معلنا عن هدفين أساسيين: "النصر على حماس، وإقامة إدارة مدنية" تحكم القطاع.

خطاب نتنياهو الذي استمر 52 دقيقة، لم يأت على حل الدولتين المدعوم أميركيا، ولم يذكر السلطة الفلسطينية. بل أعاد إلى الأذهان تجارب إسرائيلية سابقة لتأسيس كيانات فلسطينية تتبع مباشرة لسلطة الجيش الإسرائيلي.

في سبعينيات القرن الماضي، وخلال مأدبة عشاء في منزل شخصية عشائرية فلسطينية من الخليل، بحث الحاكم العسكري الإسرائيلي للمدينة، يغئال كرمون، فكرة إقامة هيكل إداري مدني لإدارة شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة.

تلقف مناحيم ملسون، مستشار الشؤون العربية في مؤسسة الحكم العسكري الإسرائيلي، الفكرة وشرع بتنفيذها بعد اتفاق كامب ديفيد مع مصر عام 1978، في محاولة لإلغاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية، التي رفضت توجهات الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، للسلام مع إسرائيل أنذاك.

أسس ميلسون وكرمون "روابط القرى" لتكون هيئة فلسطينية مدنية مدعومة من الحاكم العسكري الإسرائيلي الذي اختار مصطفى دودين رئيسا لها، وكان عائدا لتوه إلى بلدته دورا قضاء الخليل بعد أن كان وزيرا في الأردن.

فشلت الخطة لأن الفلسطينيين قاطعوا "روابط القرى" واعتبروها وجها مدنيا للاحتلال بوجوه فلسطينية أصبحت منبوذة.

تصاعدت قوة الشخصيات الوطنية الفلسطينية المرتبطة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ردا على "روابط القرى"، وشهدت الانتخابات البلدية أحداثا فهم من خلالها الإسرائيليون أن أي محاولة لتشكيل إدارة للفلسطينيين من دون منظمة التحرير ستفشل حتما.

بعد أكثر من 45 عاما على تلك المحاولة، أعاد نتنياهو الحديث عن "إدارة مدنية" تحكم هذه المرة قطاع غزة بعد انهاء جيشه حربه في القطاع.

حديث نتنياهو كان صريحا رغم أن إدارة الرئيس جو بايدن، ترفض إي خطط تستثنى السلطة الفلسطينية، أو لا تأخذ بعين الاعتبار حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

يعتقد مئير مصري، المحلل السياسي الإسرائيلي، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الاشرائيلية في القدس، أن ما يعنيه نتنياهو في خطابه بشأن إقامة "إدارة مدنية" في غزة هو أن "إسرائيل مستعدة لإعادة حكم قطاع غزة، ووضعه تحت الاحتلال العسكري، إذا أراد الغزيون ذلك. أما إن أرادوا حكم أنفسهم بأنفسهم، فسيتوجب عليهم تشكيل إدارة منتخبة، تنبذ العنف، وترعى مصالحهم، بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل، وحكومة إسرائيل على استعداد لمساعدتهم على ذلك".

وأضاف مصري، وهو عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي، أن هذا الطرح "قابل للتطبيق، ويحقق الاستقرار والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ لا يوجد خيار أفضل".

ويوضح مصري في حديث لموقع "الحرة" أن هذا الطرح "ربما لا يرضي المتطرفين ممن يطالبون بفرض الحكم العسكري على القطاع، ويسارا من الانهزاميين الذين يفضلون إعادة سلطة فتح الفاشلة لتحكم، وهي التي لا تستطيع أن تؤمن مقراتها في الضفة من دون مساعدة الجيش الإسرائيلي، عوضا عن رفضها إدانة مذابح حماس. ولكن أغلبية الإسرائيليين يدعمون توجه الحكومة".

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني، جهاد حرب، لموقع "الحرة" إن ما قاله نتنياهو "تكرار لما تحدث عنه قبل أشهر، باستمرار وجود الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وحتى إن لم يتواجد في مناطق الكثافة السكانية، إلا أنه يريد الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية".

وأضاف أن الجديد في خطاب نتنياهو هو "إنشاء إدارة مدنية في القطاع، أي اختيار أشخاص فلسطينيين تابعين لجيش الاحتلال، وتكرار للتجربة الإسرائيلية التي كانت خلال الأعوام 1978 – 1984 التي عرفت باسم روابط القرى".

ويشرح المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، بأن الإدارة المدنية التي يقصدها نتنياهو تعتمد على عناصر محلية، مشيرا إلى أن المقترح السابق كان يحمل مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة شؤون غزة ما بعد الحرب، ولكن في الآونة الأخيرة، "غير رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا التوجه".

وقال نيسان في حديث لموقع "الحرة" إن من بعض الأفكار التي طرحت أن "يكون رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، سلام فياض، هو من يدير الأمور في قطاع غزة"، على أن يدعو "دولا عربية، للمساهمة والمشاركة في إدارة الأمور في غزة لمدة عام أو أكثر".

وأضاف أن هذا يعني "عدم وجود أي سلطة لحماس في غزة، بعد السماح للسلطة الفلسطينية للعودة من خلال إدارة فياض".

وكما حدث في تجربة روابط القرى ومقاومة الفلسطينيين وقياداتهم للفكرة، فإن المحلل السياسي الفلسطيني حرب يعتقد أن أي جهة فلسطينينة "لن تتعاون مع إدارة مدنية تابعة للاحتلال الإسرائيلي".

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي "حاول خلال الفترة الماضية جس نبض بعض العشائر والشخصيات داخل غزة، وهو ما واجه فشلا برفض التعامل معهم، ناهيك عن أن وجود المقاومة الفلسطينية يعني أن أي شخص يتعامل مع إسرائيل سيصبح هدفا مشروعا لخيانة الوطن"، حسب قوله.

ويقول، خلدون البرغوثي، المحلل السياسي الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي، إن نتنياهو "يريد وكيلا فلسطينيا لإسرائيل في غزة، يحمل عنها عبء مسؤولياتها كقوة احتلال، وسبق أن كرر شعار أن غزة لن تكون حماس-ستان ولا فتح-ستان".

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" إن "كل هذا يتساوق مع مشروعه القضاء على عملية السلام بدءا من التحريض على يتسحاق رابين حتى اغتياله، ووصولا إلى القضاء على التطلعات الوطنية الفلسطينية كما قال في جلسة مغلقة سرب مضمونها سابقا".

لم يتحدث نتنياهو عن رؤية شاملة لحل الصراع مع الفلسطينيين أو حل الدولتين، بل قدم خطة لإدارة غزة بعد الحرب متجاهلا وجود السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا.

ويقول حرب إن "نتنياهو لا يريد أي كيان سياسي فلسطيني له طموحات بإقامة دولة، وهو يريد دولة إسرائيلية تحت سلطتين، حكومة للإسرائيليين وحكومة مهيمنة على الفلسطينيين، من خلال إدارة أشخاص يتبعون للجيش الإسرائيلي".

ورغم أن نتنياهو يصر على هذا الطرح إلا أن ائتلافه الحكومي لا يتفق على رؤية موحدة لما بعد الحرب في غزة، وهو ما يقلق الإدارة الأميركية التي ترى أن استمرار الحرب من دون رؤية سياسية استراتيجية ستؤدي إلى تعميق الكارثة الإنسانية وإطالة أمد الحرب.

يقول المحلل الإسرائيلي نيسان إن الخلافات داخل ائتلاف نتنياهو تتركز على "مسألة وقف إطلاق النار، وتطالب الجهات الأمنية نتنياهو بالتوصل لصفقة إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من محوري رفح وفيلادلفيا، والسماح لسكان شمال غزة بالعودة لمنازلهم".

ويعتقد نيسان أن نتنياهو "يصر حاليا على بقاء القوات الإسرائيلية، في محور فيلادلفيا، حتى تتم صياغة تفاهمات مع الولايات المتحدة ومصر، لوضع مجسات استشعار خاصة على الحدود، لمنع تهريب الأسلحة لحماس".

ويرى نيسان أن نتنياهو سيكون بعد خطاب الكونغرس "أمام سؤال مهم يتعلق بكيفية الحفاظ على ائتلافه الحكومي، إذ توجد خلافات أيضا داخل أقطاب هذا الائتلاف".

ويطالب وزارء أساسيون في حكومة نتنياهو بعدم الانسحاب من قطاع غزة، وإعادة الاستيطان في مناطق واسعة تشمل أراضي داخل القطاع، وهو ما يعتبر تهديدا لفكرة الدولة الفلسطينية المستقبلية.

لكن وليام لورانس، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، لا يعتقد أن ما طرحه نتنياهو في الكونغرس بشأن "إدارة مدنية" يعبر عن التيارات السياسية الإسرائيلية، إذ أن حوالي "70 في المئة من الإسرائيليين يطالبون نتنياهو بالرحيل، ويدعمون التعامل مع الفلسطينيين حتى إن لم يوافقوا على قيام دولة فلسطينية".

وقال لورانس لموقع "الحرة" إن نتنياهو بالطروحات التي عرضها في الكونغرس يريد "ملء الفراغ" إذ لا توجد "استراتيجية إسرائيلية حقيقة لليوم التالي للحرب" في قطاع غزة.

ويقول حرب، من جهته، إن خطاب نتنياهو في الكونغرس كان واضحا بأنه "لا يريد التوصل لحل سياسي مع الفلسطينيين، ولا يريد مسار حل الدولتين الذي تدعمه واشنطن والقوى الغربية، ولهذا هو لا يطرح خيارا للسلام، إنما يطرح فكرة تبقي على التفوق للإسرائيليين ضمن حكم عسكري، قائم على التمييز بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

ويعتقد حرب أن "السلطة الفلسطينية، ستواصل العمل من أجل انتزاع الحقوق للفلسطينيين على المسار السياسي"، مشيرا إلى أن "السلطة الفلسطينية تتجه نحو القوى الموجودة في الشرق، من خلال إعلان بكين" المبرم بين 14 فصيلا فلسطينيا، والذي يركز على الوحدة الوطنية وتشكيل حكوة تمثل كل الفلسطينيين والابتعاد عن الانقسام السياسي.

ويرى لورانس أن ما طرحه نتنياهو في الكونغرس "لن يؤثر على مسار حل الدولتين" الذي تدعمه واشنطن.

وقال إن الحل الوحيد لتحقيق السلام بإعادة "هيكلة السياسة الفلسطينية، وإعادة تنظيم السياسة الإسرائيلية، إذ تحتاج إسرائيل إلى حكومة جديدة لا يقودها نتنياهو، ومن دون ذلك لن يكون لدينا حل لأن أي تشكيلة لهذه الحكومة الإسرائيلية لن توافق على سلطة يوافق الفلسطينيون عليها".

الولايات المتحدة هي الحليف الأول والداعم العسكري الرئيسي لإسرائيل، لكن إدارة الرئيس بايدن، أبدت انزعاجها في الأشهر الأخيرة من تداعيات رد إسرائيل على هجوم السابع من تشرين الأول الذي أشعل الحرب في غزة، وتصر على حماية المدنيين ودخول المساعدات الإنسانية.

كما أن إدارة بايدن لم تكن مرتاحة لأطروحات نتنياهو السياسية، والتي تتجاهل حل الدولتين الذي تتبناه واشنطن كحل منطقي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ولا ترى الولايات المتحدة أن من الصواب تأسيس كيان جديد لإدارة قطاع غزة، وبدلا من ذلك تعتقد واشنطن أن الاستثمار في إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية هو الخيار الأمثل للتعامل مع مرحلة ما بعد الحرب.

ويعتقد لورانس إن بعض المسؤولين الأميركيين ومشرعين في الكونغرس، يعتقدون أن "الحلول الوسطى قد تكون الحل لما يحدث"، ولكنهم "لا يفهمون تعقيد المشهد في الشرق الأوسط، والأزمة مع الفلسطينيين، ولا يفهمون خداع الطروحات الإسرائيلية، التي لن توصل لأي حل".

ورغم انزعاج إدارة بايدن، كان نتنياهو صريحا وجريئا في طرح رؤيته التي يتشاركها مع أعضاء ائتلافه الحكومي المشكل من قيادات متطرفة تضغط عليه من أجل إنهاء دور السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وضم أجزاء كبيرة منها لإسرائيل والإبقاء على احتلال عسكري لقطاع غزة.

وقال نتنياهو إنه "بعد انتصارنا، بمساعدة شركائنا الإقليميين، فإن غزة منزوعة السلاح وخالية من المتطرفين يمكن أيضا أن تفضي إلى مستقبل من الأمن والازدهار والسلام. تلك هي رؤيتي حيال غزة".

وأضاف أنه "يجب أن تكون لغزة إدارة مدنية يديرها فلسطينيون لا يسعون إلى تدمير إسرائيل".

كما أشار نتنياهو إلى أن إسرائيل لا تسعى إلى إعادة وضع غزة تحت سيطرتها "لكن في المستقبل المنظور، يجب أن نحتفظ بسيطرة أمنية عليا هناك لمنع عودة الإرهاب، وضمان ألا تشكل غزة مجددا تهديدا لإسرائيل".

لكن نتنياهو لم يشر أبدا خلال خطابه إلى دولة فلسطينية يعارض بشدة قيامها. وعلى هذا الصعيد، تبقى الهوة كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويشرح لورانس تفاصيل اختلاف رؤى نتنياهو وإدارة بايدن بشان الوضع القائم في قطاع غزة. ويقول إن إيجاد إدارة مدنية في قطاع غزة، هو هدف للولايات المتحدة، والتي تدعم "إعادة تنظيم السلطة الفلسطينية"، لكن نتنياهو يريد إيجاد "قيادات مدنية تابعة لإسرائيل" بعيدا عن السلطة الفلسطينية.

ويضيف لورانس أن هذا الأمر "لن يتحقق، إذ لن يقبل أي فلسطيني بممارسة هذا الدور لصالح إسرائيل".

وأعاد لورانس التذكير بما قدمه وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، مطلع العام الحالي والذي يفضي إلى إيجاد "قيادات على مستوى البلديات أو حتى الأحياء، واختيار أشخاص فلسطينيين لإدارة هذه الأحياء".

ووصف لورانس هذا التوجه بـ "النموذج الاستعماري، وببساطة إذا لم تكن هناك سلطة أو حكومة تتعاون معك في القطاع، فما عليك سوى اختيار الأشخاص الذين لن يعارضونك وتمنحهم السلطة".

ويعتقد لورانس أن "أي فلسطيني لن يوافق على ذلك، وإن وافق قد يفقد حياته"، ولهذا فإن طرح نتنياهو "غير قابل للتطبيق".

ويرى البرغوثي إن نتنياهو حصر أفكاره في الخطاب بالحديث عن مستقبل قطاع غزة، "وتجاهل أساس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدءا من النكبة والتطهير العرقي وقضية اللاجئين وكل ما تلاها، وطرح تصورا يقزم الصراع إلى أزمة السابع تشرين الأول وما بعدها، وكأن تاريخ الصراع بدأ في هذا التاريخ".

ويعتقد البرغوثي أن خطاب نتنياهو والأفكار التي طرحها تشير إلى مرحلة "ليس فقط لن تؤسس للاستقرار والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل هي وصفة لانفجار كبير ربما المنطقة في الطريق إليه مع إصراره على الاستمرار بالحرب في غزة، وتنكره لمقترحه هو، والذي تبناه الرئيس الأميركي، جو بايدن وقبلت به حماس، وتراجع هو عنه ووضع قبل نحو أسبوعين شروطا جديدة، واليوم طرح تصورا ينسف هذا المقترح تماما".

ما يمكن استنتاجه من خطاب نتنياهو ومواقف الإدارة الأميركية التي يشدد عليها بايدن ونائبته، كامالا هاريس، هو أن الحرب على غزة، رغم بدايتها باتفاق على أهداف واضحة، تبدو نهايتها غير مؤكدة ومليئة بالغموض الذي يشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة التي تبحث عن استقرار طويل الأمد في المنطقة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة