في هذا الإطار، يقسّم الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد لـ "ليبانون ديبايت"، الملفات التي يتخبّط بها لبنان سياسيًا، وبالتالي أمنيًا، إلى ثلاثة: وهي الموضوع السوري، والاحتلال الإسرائيلي، والضغوط الأميركية.
ففي الشق المتعلق بسوريا، يرى أن التغيرات التي تحصل هناك لها انعكاسات بين السلبي والإيجابي على لبنان، وهذا يأتي من طبيعة التداخل الجغرافي وطبيعة السياسة الموجودة على الساحتين. فمن الطبيعي أن يؤدي وجود نظام جديد إلى دعم الفئات التي تشبهه على الساحة اللبنانية، وهو ما يحصل إما من خلال تزويد هذه الفئات بالمال والسلاح والتدريب والدعم المعنوي، وهو ما نشاهده بشكل ظاهر.
ويتساءل ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى إقامة إمارة إسلامية في إحدى المناطق اللبنانية، وإذا كان ذلك سيؤدي إلى التقسيم أو فتنة داخلية، في ظلّ عدم وجود رادع عند اللبنانيين نتيجة وحدة وطنية ضعيفة وغير قوية، بما يدفع أي فريق مدعوم من جهة خارجية للقيام بمغامرة تغيّر موازين القوى أو تسمح له بأخذ حصة أكبر وتغييرات بنيوية يمكن أن تهدد الكيان والوجود والمساحة والجغرافيا.
ويُفضّل سركيس الانتظار لمعرفة إلى أين تتجه الأمور في سوريا، وهل هي ذاهبة إلى وحدة الأراضي السورية أم إلى نفوذ تركي أو سعودي أو عربي، إذ إن لكل من هذه الاتجاهات انعكاسًا مختلفًا على الساحة اللبنانية. لذلك، فإن انتظار التغيرات وكيف سترسو المنطقة، سيبيّن لنا كيف سيكون المشهد اللبناني.
ولا يستبعد أن يكون الوضع السوري يُستعمل اليوم في إطار التهويل والتهديد، لكن في المبدأ هناك حركة جديدة على الساحتين اللبنانية والسورية.
أما في الشق الإسرائيلي، فمن الواضح أن الفريق الحاكم هناك من اليمين المتطرف لديه مشروع لبناء "إسرائيل الكبرى"، وهو ينتظر الفرص المناسبة لتحقيقها، ويستغل أي وضع أميركي أو عالمي للقيام بما يريد. لكن الثابت اليوم أن موازين القوى الدولية لم تعد متوازنة، خاصة بعد تراجع الدور الروسي، الذي يكتفي اليوم بالمراقبة من دون أي دور أو تدخل، لتبقى الساحة متروكة للأميركي يسرح ويمرح من دون أي رادع لحركته.
وينبّه إلى أن نتنياهو، لما له من علاقات تاريخية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يحاول الاستفادة من هذا الظرف لتمرير مشروعه توسيع إسرائيل باتجاه "إسرائيل الكبرى"، التي تغطي مساحة كبرى من الأراضي العربية. ولكن هذا دونه صعوبات، لا سيّما أن دولًا كثيرة لن ترضى بهذا الواقع لأنه سيحدث تغييرات في كامل المشهد العربي.
ويشدّد على أن الإسرائيلي يسعى إلى دفع لبنان لتقديم المزيد من التنازلات وتحقيق مكاسب أكبر، لذلك لم تفلح لا اللجنة الخماسية ولا حركة المبعوثين في تحقيق وقف جدي لإطلاق النار، ولم تُعطَ حتى اليوم فرصة للجيش اللبناني لفرض انتشاره في الجنوب.
إسرائيل، بما تملك من فائض قوة وحرية تحرك، يمكن أن تشكل خطرًا دائمًا على الساحة، في حال لم يعرف اللبنانيون كيفية المعالجة من خلال موقف موحّد.
أما فيما يتعلق بالضغوط الأميركية الواضحة على لبنان، فيشير إلى أن السياسة الخارجية الأميركية تعتمد حالة الغموض واللايقين، فلا تقدم وقائع ملموسة، بما يشكل جزءًا من اللعبة الدولية التي يجب أن نواكبها، في ظل غياب استراتيجية ثابتة وواضحة، ولا أيديولوجيا تلتزم بقيم يمكن محاسبتها على أساسها.
ويرى أبو زيد، أنه ليس من ضغط مباشر على لبنان خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، وأن لبنان يُمنح فرصة تمتدّ إلى نهاية العام ليجد حلاً أو يبرمج الحلول. وعلى لبنان أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار، بمعنى أن الحوار الذي بدأه رئيس الجمهورية يجب أن يُستكمل مع جميع الأطراف، من أجل الوصول إلى تصوّر لبناني مشترك لمواجهة التحديات الخارجية والالتزامات الدولية، ووضع برنامج لموضوع السلاح يكون مرتبطًا بالتوازي بين تطبيق القرار وسحب السلاح، مقابل انسحاب تدريجي موازٍ لإسرائيل، لأنه في حال لم يحصل هذا الأمر، فإن لبنان قد يكون ساحة مفتوحة لاعتداءات مستمرة، وتتوسع الأمور باتجاه فتنة داخلية أو تقسيم أو مغامرات غير محسوبة.