شهدت العاصمة القطرية انعقاد قمة عربية – إسلامية طارئة تبنّت بيانًا ختاميًا حادًّا غير مسبوق، دعا الدول إلى مراجعة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وطرح مقترحًا بتنسيق جهود لتعليق عضوية تل أبيب في الأمم المتحدة.
كما حمّل البيان "الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة" — وفي مقدمتهم الولايات المتحدة — مسؤولية أكبر في ضبط السلوك الإسرائيلي ووقف ما اعتُبرَ تجاوزات خطيرة تمس سيادة الدول العربية والإسلامية.
وجاء هذا الموقف الجماعي في أعقاب الضربة الإسرائيلية على الدوحة، ما أثار سلسلة من التساؤلات حول مدى تحول الشعارات إلى إجراءات فعلية، وكيف ستتعاطى حكومة نتنياهو مع موجة عزلة سياسية تُحاول القمة فرضها.
لا يزال ردّ الفعل الرسمي الإسرائيلي غائبًا عن السطح، بحسب محرر الشؤون الإسرائيلية في "سكاي نيوز عربية" نضال كناعنة، الذي رأى في غياب التصريح المباشر "ردًا" تكتيكيًا.
في المقابل، اختار رئيس الوزراء نتنياهو أن يردّ بصورة غير مباشرة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأميركي، مدافعًا عن قرار الضربة، ومشدّدًا أن العزلة الدولية قد تكون الواقع المقبل الذي يجب أن تستعدّ له إسرائيل.
بهذا الأسلوب، حاول تحويل الضغوط الخارجية إلى خيار استراتيجي ومناورة سياسية داخلية.
لكن تقارير إعلامية إسرائيلية، نقلها الصحافي براك رافيد عن القناة الثانية عشرة، أفادت بأن نتنياهو أبلغ البيت الأبيض بالعملية قبل 50 دقيقة من تنفيذها. هذه المعطيات تطرح سؤالًا ملحًّا: إذا كان ترامب ودوائر داخل البيت الأبيض على علم بوقتٍ يُتيح التدخّل أو التحذير، فلماذا لم يُحذَّر الجانب القطري أو يُمنع الهجوم؟ التسريب لا يضع إسرائيل وحدها في دائرة المساءلة، بل يضع في زاوية اتهامٍ أيضاً الجانب الأميركي، ويثير جدلاً حول حدود الدعم أو التواطؤ أو العجز.
هنا تتجلى مفارقة واضحة: على الملأ تصرّ إسرائيل على أن القرار "إسرائيلي بحت"، بينما في الكواليس تسعى — بحسب التسريبات — إلى تفادي تبعات المنعطف عبر إشراك واشنطن في مسؤولية التواصل، مما يضرّ بمصداقية الرواية الرسمية ويفتح باب التكهنات حول إدارة الأزمة.
من الدوحة، اعتبر أديب زيادة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، أنّ التضامن الخطابي كان قويًا وواضحًا، لكنّه توقف عند الفجوة بين الخطاب والإجراء. وشدّد زيادة على أن الهجوم على قطر ليس حادثًا منعزلاً بل جزء من سجلّ مناقش لتجاوزات استهدفت سيادة دول عربية على مدى سنوات — من موجة محاولات اغتيال وعمليات اغتيال في دول عربية، إلى ضربات على أراضٍ ثالثة — ما يستلزم ردًا حازمًا وعقوبات تردع تكرار السلوك.
ورأى زيادة أن عدم تطبيق عقوبات حقيقية أو خطوات عملية يفقد بيانات القمم جزءًا كبيرًا من فاعليتها، لأنّ الرسائل الخطابية وحدها لا تشكل رادعًا كافيًا أمام من يعتبرون أن تكاليف العمل أقل من منافع تحقيقه.
بهذا المعنى، قد تترجم الكلمات القوية إلى تدابير رمزية فقط، ما يفتح المجال أمام استمرار نمط التشغيل ذاته.
إذا اتجهت دول عربية وإسلامية إلى خطوات عملية (تجميد العلاقات، عقوبات اقتصادية، مقاطعات دبلوماسية)، فسيكون لذلك أثر ملموس على إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا، وربما اقتصاديًا على المدى المتوسط.
لكن الطريق إلى تعليق عضوية دولة في الأمم المتحدة يمرّ عبر آليات معقّدة تتطلّب غالبية في الجمعية العامة وإجراءات في مجلس الأمن، حيث للفيتو الأميركي دور حاسم، ما يجعل تنفيذ مثل هذا المقترح صعبًا عمليًا إن لم يكن مستحيلاً ما لم يتغير موقف واشنطن.
أما إذا اقتصر الردّ على بيانات وشجب وبيانات تنديد، فسيعزّز ذلك انطباعًا بأن سقف الردود العربية والإسلامية لا يرقى بعد إلى مستوى ردع حقيقي، وسيبقي سيناريو تكرار الضربات والعمليات العابرة للأراضي والدول الأخرى قائمًا.
شكّلت قمة الدوحة لحظة تفاوت بين حجم الغضب الكلامي ودرجة الإمكان العملي للضغط، وكشفت أيضًا عن هشاشة الرواية الرسمية الإسرائيلية حين تتقاطع التسريبات مع تصريحات القادة.