"ليبانون ديبايت" - محمد علوش
أعاد المشهد السياسي في الأيام الأخيرة رسم صورة العلاقة بين الرؤساء الثلاثة، كاشفاً عن مفارقة لافتة مفادها أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم يكن متحمساً لوصول أيّ من الرئيسين الحاليين إلى بعبدا أو السراي، هو اليوم من يضطلع بدور الوسيط بينهما، بل ويحتفظ بعلاقة ممتازة مع رئيس الجمهورية جوزيف عون، خلافاً لما يُفترض أن يكون عليه المشهد، أو خلافاً لما كان متوقعاً في بداية العهد.
لم تكن حادثة إضاءة صخرة الروشة هي المسبّب الأول للبرودة في العلاقة بين الرئيسين عون وسلام، فالخلاف بدأ منذ أيام تشكيل الحكومة عندما أصرّ عون على تسمية وزيري الدفاع والداخلية، ومن بعدها في الأيام الأولى للحكومة إصراره على تسمية قائد الجيش ومدير قوى الأمن الداخلي وحاكم المصرف المركزي. يومها كان الموقف الخارجي، بحسب مصادر سياسية بارزة، بضرورة التعاون المطلق من قبل سلام مع الرئيس عون، ولكن بعدها بدأ يتغير المشهد.
الضربة الكبرى للعلاقة بين الرجلين كانت في جلسة الخامس من آب، عندما أصرّ سلام على مهلة زمنية محددة تُمنح للجيش لتطبيق خطة حصر السلاح، بغض النظر عن التداعيات، وهو ما أزعج عون الذي لم يتمكن يومها من معارضة هذا الخيار لأسباب كثيرة. وبحسب المصادر، فإن سلام أراد من تلك الجلسة إزاحة المسؤولية عن حكومته وتحميلها للجيش اللبناني ومرجعيته في السياسة.
بعدها كانت حادثة صخرة الروشة التي أعادت إشعال الخلاف بين الرجلين، خصوصاً بعد تصويب سلام على دور الأجهزة الأمنية، وبالتالي التصويب على عون نفسه. فكان أن ردّ عون بثلاث خطوات: الأولى بيان وزير الدفاع، الثانية بيانه الشخصي حول الجيش ودوره ودور الأجهزة ومنع التصويب عليها، والثالثة تكريم قائد الجيش في قصر بعبدا، وهو ما اعتبره سلام موجهاً له بشكل شخصي. وبحسب المصادر، فقد شعر سلام بالإزعاج من هذه الخطوة، وكان يفكر بمقاطعة بعبدا وعدم زيارتها، وعندها تدخل الرئيس نبيه بري وسيطاً.
الوساطة التي قام بها بري بعد الجلسة التشريعية الأولى كانت تهدف بشكل أساسي إلى التمهيد للقاء عون وسلام، تقول المصادر، مشيرة إلى أن أصل الخلاف في المقاربات بين عون وسلام يعود إلى سعي رئيس الحكومة لإظهار نفسه الرجل الأول للرعاة الخارجيين للبلد، ولا يمتلك سوى بضعة أشهر من أجل إثبات حضوره والدفع باتجاه دعمه للحصول على كتلة نيابية في المجلس النيابي المقبل، والبقاء كمرشح أول للحكومة التي ستلي الانتخابات. لذلك يحاول في كل محطة أن يضع عون والجيش في خانة التقصير، من مسألة السلاح وصولاً إلى الإضاءة على الصخرة.
في المقابل، لا يبدو عون مستعجلاً. فهو ينظر إلى السنوات الخمس المقبلة من ولايته، ويريد رسم توازن طويل الأمد يحمي موقعه وصلاحياته ويحصّن المؤسسة العسكرية. وبين هذين المزاجين، يطلّ بري كحَكَم لا غنى عنه. فالرجل، الذي خبر دهاليز السياسة اللبنانية وعرف كيف يصمد في موقعه، يدرك أنّ تعطيل الحكومة بسبب اعتكاف رئيسها، أو تعطيل مجلس النواب بفعل الانسحابات المتعمّدة، سيضرب العهد من أساسه. لذلك اندفع إلى لعب دور المهدّئ بين عون وسلام، ممهداً للقاء بينهما في بعبدا عُقد الثلاثاء، تلاه لقاء بين بري وسلام في المجلس النيابي.
ترى المصادر نفسها أنّ تطوّر العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة سيبقى رهناً بقدرة بري على الاستمرار في لعب دور الضابط لإيقاع الخلاف. سلام، بحكم رهاناته، لن يتراجع عن خطاب تحميل المؤسسات مسؤولياتها، خصوصاً المؤسسة العسكرية، وعون لن يقبل بأن يكون الجيش مادة للمزايدة أو ورقة في بازار المواقف الدولية.
في المحصّلة، يُخشى أن يبقى البلد أمام حكومة معرّضة للتعطيل في أي لحظة، ومجلس نواب مهدّد بالشلل. فلا القوانين الإصلاحية ستُقر، وهو ما سيؤثر على مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي المتوقعة هذا الشهر، ولا التضامن الحكومي سيكون حاضراً، والحكومة أمامها استحقاق تقرير الجيش اللبناني الأول بمسألة حصر السلاح.