"ليبانون ديبايت"
في خضمّ التصعيد المتواصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصًا في محيط قطاع غزة، تتكثّف التحليلات حول خلفيات ما يجري وأبعاده السياسية والعسكرية. الكاتب والمحلّل الاستراتيجي طلعت طه قدّم في حديثٍ خاص لموقع ليبانون ديبايت قراءة معمّقة للمشهد الراهن، كاشفًا عن ارتباط تحركات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بمصالحه الشخصية، ودور الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب في رسم مسار التطورات الحالية.
وأكد طه في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت"، أنّ ما يحدث حاليًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيّما حول قطاع غزة، هو نوع من أنواع الاحتكاك والاستفزاز المقصود للمقاومة الفلسطينية والمفاوضين في آنٍ واحد.
وقال طه إنّه لولا أنّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يتحكّم حاليًا في قرارات بنيامين نتنياهو، لكان الأخير أعاد فرض الحصار والاحتلال مجددًا على غزة، بل وربما أقدم على تهجير الفلسطينيين منها قسرًا، لأنّ نتنياهو ما زال يسعى لتحقيق أحلامٍ كبيرة جدًا وطموحاتٍ تتصل بما يسمّيه "إسرائيل الكبرى"، إلى جانب رغبته في القضاء على حركة حماس التي لم يتمكّن من الوصول إليها عسكريًا حتى الآن.
وأوضح أنّ نتنياهو قال مرارًا إنه يستطيع الحصول على كل الأسرى الأحياء من خلال القوة، إلا أنّه لم يتمكّن من ذلك إلا عبر التفاوض، ما يعني أنّه فشل في كل ما قاله وفعله. لذلك يسعى اليوم إلى الخروج من أزمته الراهنة بانتصارٍ شخصي لنفسه فقط، وليس من أجل إسرائيل أو شعبها، لأنّه يواجه سلسلة من المحاكمات ويحاول أن يُخلّص عنقه من تبعاتها، وإلا فسيعود لمواجهة القضاء مجددًا.
ويريد نتنياهو، برأي طه، أن يُظهر نفسه أمام الإسرائيليين كرجلٍ عظيم وقائدٍ استثنائي، خصوصًا بعد أن اعتبره زعيم المعارضة يائير لابيد فاشلًا وضعيف الأداء. وعليه، فإنّ كل ما يقوم به نتنياهو اليوم هو تصرّفات شخصية ونفسية نابعة من ساديّته.
وأضاف طه أنّ الأمر في غزة مختلف تمامًا عن الوضع في لبنان، فحتى وإن كانت الخروقات الإسرائيلية في لبنان تجاوزت الخمسة آلاف خرق، إلا أنّ الوضع في الجنوب تحكمه معادلات واضحة، لأنّ دخوله إلى لبنان يعني دخوله إلى دولةٍ أخرى وقد يتعرّض لردّ فعل. أمّا في غزة، فالوضع مختلف لأنّها منطقة مكشوفة لا تمتلك أيّ درع حماية ولا سلطة حقيقية، وهي في الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، فالأمر صعب على الأرض الغزّية وشعبها.
وأشار إلى أنّ الصحافة العبرية تحاول الآن تصدير مشهدٍ إعلاميٍّ معيّن، لأنّ الإسرائيليين والصهاينة يعتمدون على السردية والصورة قبل وقوع الكارثة. فمثلًا، قالت الصحف العبرية أمس إنّ إسرائيل ستمنح حماس مهلة 24 ساعة، وإن لم تخرج إلى ما بعد الخط الأصفر، فستقوم إسرائيل بضرب المنطقة الخضراء. وقالوا إنّه في هذه الحالة يمكن أن يخرج الحمساويون بأمان، وعلى ذلك لن يخرجوا حتى لو كانوا متواجدين فيها. وهذا نوع من الاحتكاك والاستفزاز، ولذلك قاموا بهذه السردية ليبرّروا ساحتهم أمام ترامب.
وتابع قائلًا إنّ الصحف العبرية أيضًا تروّج لفكرة أنّ هناك إعادة تسليح وصناعات محلية في لبنان، وأيضًا منصّات صواريخ وطائرات جديدة في إيران، موضحًا أنّ إسرائيل تحاول من خلال هذه السردية إقناع واشنطن بأنّ أيّ عملية تقوم بها ضد لبنان أو غزة هي دفاعية، لأنّ الإدارة الأميركية وترامب تحديدًا لا يريدان الدخول في أيّ حرب جديدة، ولا حتى إطلاق رصاصة واحدة في الشرق الأوسط، وذلك حتى يتفرّغ ترامب للأزمات الداخلية المتفاقمة في الولايات المتحدة، خصوصًا بعد المظاهرات الواسعة التي شهدتها الشوارع الأميركية، والتي كشفت أنّه لم يُنجز شيئًا يُذكر للشعب الأميركي حتى الآن.
وعن الاتفاق الأخير، قال طه إنّ الاتفاق ليس خديعة كما يُروّج البعض، لأنّ الولايات المتحدة هي التي فرضته، وكانت تُهدّد وتقول إنه في حال رفض نتنياهو، فإنّ أميركا لن تساعده. حتى إنّ ترامب أرغمه على الموافقة ووقّع بدلاً منه، وكان ذلك بحضور معظم دول العالم والاتحاد الأوروبي.
وأكد أنّ إسرائيل اليوم أصبحت دولة منبوذة ونافرة ومكروهة هي وأميركا على حدٍّ سواء، بسبب موقفهما من القضية الفلسطينية. لذلك كان لا بدّ من إيقاف هذا المسار العدواني، إلا أنّه لا يمكن القول إنّ الاتفاق كان وهمًا، بل هو واقع أُجبروا عليه. لكن إسرائيل بطبيعتها غادرة، لا تحترم أيّ اتفاق أو عهد، وتقوم بين الحين والآخر باختلاق قصص جديدة للقيام بالاغتيالات والتوغّلات، من أجل تقويض فكرة المضيّ قدمًا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وأضاف أنّ موضوع الأسرى لم يشغل إدارة نتنياهو فعلًا، فبرغم وجود أكثر من مئتي أسير، فقد توغّلت إسرائيل وشنّت الحرب وقتلت ودمّرت، حتى إنّ المقاومة قتلت العديد من الجنود الإسرائيليين المرتزقة. ففي تحديثٍ للمعلومات، هناك 971 جنديًا مرتزقًا إسرائيليًا قُتلوا مقابل 200 أسير، وهذا يدلّ على أنّ نتنياهو لم يكن يهتم فعلاً بقضية الأسرى، ولم يسعَ إلى استعادتهم.
وأشار إلى ما قامت به عائلات الأسرى من مظاهراتٍ يومية، لكنه لم يستجب لهم مطلقًا، وكلّما اقترب من مرحلة تفاوضٍ حقيقية، كان ينسفها بنفسه، وآخرها حين أقدم على ضرب إيران فقط لأنها كانت تشكّل في نظره تهديدًا مستقبليًا.