كشف تقرير موسّع نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بقلم الكاتب الإسرائيلي ميخائيل هراري، أنّ إسرائيل تقف اليوم أمام "مفترق حاسم" في ما يتعلق بلبنان، بين الاستمرار في الضغط العسكري والسياسي على بيروت أو الانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد الميداني. وجاء في التقرير أنّ "الزمن السياسي يضيق، والخيارات تضيق معه"، في ظلّ ما تعتبره تل أبيب تباطؤاً لبنانياً في تنفيذ قرار تفكيك حزب الله من سلاحه رغم التعهّدات الحكومية والرئاسية الأخيرة.
وأشار هراري إلى أنّ "الساحة اللبنانية تغيّرت كلياً منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024"، موضحاً أنّ إسرائيل تواصل شنّ ضربات جوية في الجنوب "لكنّ الصورة العامة تظهر ضعفاً غير مسبوق لحزب الله". وأضاف أنّ الحكومة اللبنانية الجديدة اتخذت "قرارات جريئة" بشأن البدء في مسار نزع السلاح، لكنها لم تنجح بعد في تحويلها إلى خطوات عملية، ما يثير "استياءً واضحاً" في كل من تل أبيب وواشنطن.
وبحسب الصحيفة، تواجه إسرائيل حالياً "معضلة حقيقية": هل تُبقي الضغط قائماً على حكومة بيروت على أمل دفعها لاتخاذ خطوات حاسمة، أم تُقدم على تصعيد عسكري أكبر لكسر الجمود؟ وجاء في المقال: "تعتقد واشنطن أن ثمن الجمود بات أعلى من ثمن التحرك". ونقل هراري عن الموفد الأميركي توم باراك قوله: "إذا استمرت بيروت في سياسة الانتظار، فإن إسرائيل ستتحرك من جانب واحد، وعندها ستكون العواقب وخيمة".
ووفق التقرير، فإن واشنطن وتل أبيب اتفقتا مؤخراً على تشديد الضغط على لبنان في المرحلة المقبلة، مع دعم أميركي لأي عملية إسرائيلية محدودة تهدف إلى "تسريع تفكيك القدرات العسكرية لحزب الله". ويُنتظر أن يصل الموفد الأميركي باراك إلى بيروت خلال أيام لإجراء محادثات مع المسؤولين اللبنانيين وربما نقل الملف إلى السفير الأميركي الجديد.
ويستعرض الكاتب ثلاث سيناريوهات تراها إسرائيل مطروحة أمامها اليوم. الأول، الإبقاء على الوضع القائم، أي الاستمرار في الضغط العسكري والسياسي "دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة"، وهو خيار يحظى بقبول داخل المؤسسة الأمنية، لكنه "يحتاج إلى وقت طويل ونتائجه غير مضمونة"، خصوصاً في ظل الانتخابات البرلمانية المقبلة في لبنان في أيار.
أما الخيار الثاني، فيتمثل بتوسيع نطاق العمليات العسكرية. ويقول هراري إنّ "حزب الله وإيران في أضعف حالاتهما منذ سنوات، وقد تكون لحظة التصعيد فرصة لإجبار بيروت على اتخاذ خطوات ملموسة"، إلا أنّ هذا السيناريو ينطوي على مخاطر سياسية وأمنية كبيرة، خاصة إذا لم يحظَ بدعم أميركي واضح بعد "تحقيق السلام في غزة"، على حدّ تعبيره.
الخيار الثالث، بحسب الصحيفة، هو المزج بين "الضغط العسكري والتحرك الدبلوماسي"، من خلال تشجيع الحكومة اللبنانية على استئناف المفاوضات الحدودية مع إسرائيل. ويرى هراري أنّ هذا الخيار "قد يتيح دفعاً حقيقياً نحو تفكيك الحزب، عبر ربط أي تقدم ميداني بخطوات سياسية وضمانات دولية".
ويضيف التقرير أنّ "إسرائيل ما زالت تميل إلى الاعتماد على القوة العسكرية، لكنها تدرك في الوقت نفسه أنّ عملية تفكيك حزب الله لا يمكن أن تكون سريعة ولا أحادية الجانب، بل تحتاج إلى دعم سياسي داخلي لبناني وإقليمي".
ويختم هراري مقاله في "يديعوت أحرونوت" بالإشارة إلى أنّ "الخطاب العام في لبنان يشهد تحوّلاً لافتاً، فبعدما كان أي نقاش حول حزب الله محرّماً، باتت الأصوات تتعالى للمطالبة بتغيير المعادلة، وإعادة سيادة الدولة على الجنوب، حتى ولو كلّف ذلك فتح باب الحوار مع إسرائيل"، معتبراً أنّ هذه اللحظة "قد تشكّل فرصة تاريخية، لكنها محفوفة بالمخاطر".