"ليبانون ديبايت"_ عبدالله قمح
خيّم الترقب طوال ساعات ما بعد ظهر أمس الخميس، بفعل البيان عالي النبرة الذي أصدره حزب الله على شكل كتاب مفتوح إلى الرؤساء الثلاثة، محذِّراً خلاله من “التورط والانزلاق إلى أفخاخ تفاوضية مطروحة”، ومشدداً على حقه المشروع في “مقاومة الاحتلال والعدوان”. وجدد الحزب تأكيد التزامه ببنود اتفاق 27 تشرين الثاني 2024، في ما فُهم أنه محاولة لإعادة تثبيت “معادلة المقاومة” ووقف الانزلاق الخطير نحو المفاوضات، ورفض أي صيغة تفاوض سياسي مع إسرائيل تتجاوز بنود اتفاق وقف إطلاق النار أو تنطوي على اعتراف بها.
ولم تمضِ ساعات حتى دخل الجيش الإسرائيلي على الخط، مرسلاً مجموعة تحذيرات إلى أهالي قرى تقع جنوب الليطاني، وهي منطقة “منزوعة السلاح” بموجب اتفاق 27 تشرين الثاني 2024، والمفترض أن لا تشن إسرائيل ضربات فيها، بما يؤكد تجاوز تل أبيب لأبسط التفاهمات أو أنها لا تحترم أي إلتزامات أو إتفاقات.
وعلم “ليبانون ديبايت” من مصدر سياسي واسع الاطلاع أن التصعيد الإسرائيلي جاء متزامناً مع سلسلة التهديدات التي أطلقها ويطلقها مسؤولون إسرائيليون بشكل مستمر منذ نحو عشرة أيام، ويتحدثون خلالها عن انتهاء الاستعدادات لشن هجوم يستهدف حزب الله. وتقاطعت هذه المعطيات مع تحذيرات عبّر عنها دبلوماسيون معتمدون في بيروت لشخصيات سياسية رفيعة التقوها خلال الأيام الماضية.
وكشف مصدر أمني لبناني لـ”ليبانون ديبايت” أن ما استهدفته إسرائيل مساء الخميس في بلدتي عيتا الجبل وكفردونين (قضاء بنت جبيل) كان منازل قيد الإنشاء، فيما المنزل الذي استُهدف في بلدة الطيبة (قضاء مرجعيون) يعود لذوي أحد شهداء حزب الله.
وفُهم أن العدوان الإسرائيلي أمس تلاقى مع مجموعة عوامل داخلية لبنانية في التوقيت نفسه، من بينها انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي ناقشت مجموعة بنود على جدول الأعمال، من بينها التقرير الثاني للجيش اللبناني حول جهوده الرامية إلى “حصرية السلاح” التزاماً بقراري مجلس الوزراء الصادرين في 5 و7 آب الماضيين. كما جاءت الغارات بعد ساعات من بيان حزب الله الذي أعاد فيه التأكيد على حقه في الدفاع المشروع ضد الاحتلال والعدوان. ووقع العدوان أيضاً في ظل استمرار رئيس الجمهورية جوزاف عون في التعبير —بشكل شبه دائم— عن رغبته في التفاوض مع العدو الإسرائيلي برعاية أميركية، وفي خضم ما يتردد في بيروت عن مقترحات للمفاوضات والدفع نحوها.
وإذا أخذنا موقع الاعتداء الجديد في منطقة جنوب الليطاني، التي يقرّ الجميع —بمن فيهم الدولة والجيش اللبناني وحزب الله وقوات اليونيفيل وأعضاء الـ”ميكانيزم” من فرنسيين وأميركيين— بأنها أصبحت شبه خالية من الوجود العسكري للحزب بنسبة تتجاوز 80%، وبات الجيش يستطيع دخول أي موقع فيها، فإن الاستهدافات داخل هذا القطاع لا يمكن فهمها إلا كرسالة موجهة إلى الدولة اللبنانية، واستهداف واضح لها. وهذا يتوافق مع تحذيرات سابقة أطلقها قادة العدو بشأن ضمّ أصول الدولة اللبنانية إلى بنك أهدافهم بزعم أنها “لا تفي بالتزاماتها” حيال نزع سلاح الحزب.
وما يعزز هذا الانطباع أن غارتين من أصل خمس وقعتا في محيط يضم مواقع للجيش اللبناني (كفردونين وعيتا الجبل). ففي كفردونين، استهدف العدو منزلاً قيد الإنشاء يبعد نحو 100 متر عن ثكنة المقدم الشهيد محمد فرحات التي افتتحها قائد الجيش العماد رودولف هيكل قبل أقل من شهر، فيما يبعد موقع الجيش في عيتا الجبل نحو 250 متر عن موقع الاستهداف.
وعلم “ليبانون ديبايت” أن قوات اليونيفيل، التي حضر عناصرها لتحذير جنود الجيش المتمركزين في ثكنة الشهيد محمد فرحات بضرورة إخلائها حفاظاً على سلامتهم بسبب الخطر الإسرائيلي الوشيك، فوجئوا بإصرار الجنود والضباط على البقاء. وعلم "ليبانون ديبايت" أيضاً أن قائد قطاع جنوب الليطاني العميد نقولا تابت، أصدر أوامره للجنود بالبقاء في مواقعهم، واتخاذ وضعيات عسكرية لحماية أنفسهم، وعدم مغادرة الثكنة إطلاقاً، وهي أوامر نُفّذت بحذافيرها حيث التزم الجنود مواقعهم لغاية إنتهاء الغارة، علماً أن العدو تقصد تجديدها بعد محاولة إستهداف أولى لنفس الموقع وفي نفس المكان.
كما علم “ليبانون ديبايت” أن قيادة الجيش كانت على اطّلاع كامل بما جرى في الجنوب، وصنّفت الاعتداء على أنه رسالة موجهة إلى الجيش والدولة معاً، وذلك رداً على الأوامر التي أصدرها رئيس الجمهورية جوزاف عون للجيش —عبر قائده— بضرورة التصدي لأي توغل إسرائيلي. وبالفعل، تعامل الجيش سريعاً عبر تشييد مواقع عسكرية متقدمة للمراقبة وعمليات التصدي، صُممت هندسياً بما يوحي بأنه ليس مجرد نقطة مراقبة بل نقطة دفاع واضحة، وذلك عند الطريق الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي للتسلل ليلاً إلى عمق بلدة بليدا (قضاء مرجعيون) وارتكاب المجزرة التي راح ضحيتها الموظف في البلدية الشهيد إبراهيم سلامة، الذي قُتل بدم بارد داخل مقر البلدية بعد أن اقتحمه الجنود الإسرائيليون وأطلقوا النار عليه مباشرة.
وكان الجيش اللبناني قد أصدر بياناً يوم أمس قال فيه إن العدو الإسرائيلي أطلق موجة واسعة من الاعتداءات في الجنوب، مستهدفاً عدداً من المناطق والبلدات. وأكد أن هذه الاعتداءات المدانة ليست سوى استمرار لنهج العدو التدميري الهادف إلى ضرب استقرار لبنان وتوسيع رقعة الدمار في الجنوب، وإدامة الحرب، وإبقاء التهديد قائماً ضد اللبنانيين، فضلاً عن منع استكمال انتشار الجيش تنفيذًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية. وأضافت القيادة أن الجيش يتابع التنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – اليونيفيل، وأن الشراكة بين الجانبين تبقى على درجة عالية من الثقة والتعاون.