أصبح السياسي الأميركي من أصول إفريقية زهران ممداني أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك، بعد فوزه في انتخابات بلدية استثنائية تمكّن خلالها من هزيمة الحاكم السابق للولاية أندرو كومو، الذي خاض السباق مستقلاً بدعم من اللوبيات المالية والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفاز ممداني، البالغ من العمر 34 عاماً، بفارق مريح في انتخابات شهدت مشاركة أكثر من مليوني ناخب من أصل 4.7 ملايين مسجل — وهي النسبة الأعلى منذ عام 1969 — في ما وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه "زلزال سياسي يغيّر وجه المدينة وأميركا".
قاد ممداني، المرشح عن الحزب الديمقراطي، حملةً وُصفت بأنها "يسارية راديكالية"، إذ وعد بفرض ضرائب أعلى على الأثرياء والشركات الكبرى لتمويل خدمات عامة مجانية، من أبرزها النقل العام المجاني، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولاراً للساعة بحلول عام 2030، فضلاً عن تجميد الإيجارات المرتفعة وتأسيس متاجر بلدية للأمن الغذائي.
"هذا الفوز تفويضٌ لتغييرٍ حقيقي. نحن نمارس نوعاً جديداً من السياسة... نيويورك ستكون للجميع، لا للأثرياء فقط".
أثار فوز ممداني قلق طبقة رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى في المدينة، الذين اعتبروا أن وعوده بزيادة الضرائب تهدد بنزوح رؤوس الأموال. كما حذّرت حاكمة الولاية كاثي هوكول من "نتائج اقتصادية غير محسوبة" لسياساته اليسارية.
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فانتقد العمدة الجديد بشدة، قائلاً إنّ ممداني "يتبنّى أجندة شيوعية"، مهدداً بـ"قطع التمويل الفدرالي عن نيويورك"، معتبراً أنّ الولايات المتحدة "خسرت جزءاً من سيادتها" بفوزه.
وردّ ممداني على ترامب قائلاً أمام أنصاره: "أعلم أنك تشاهد... ارفع الصوت. نحن التهديد الوجودي للمليارديرات الذين يعتقدون أن المال يشتري الديمقراطية".
ووصف السيناتور بيرني ساندرز فوز ممداني بأنه "أعظم مفاجأة سياسية في التاريخ الأميركي الحديث"، مشيراً إلى أنه يمثل عودة السياسة إلى قضايا العدالة الاقتصادية والاجتماعية بعد سنوات من الانقسام حول قضايا الهوية.
لم يتوقف الجدل عند حدود السياسة الأميركية. فقد أثار انتخاب ممداني غضباً واسعاً في إسرائيل، إذ وصفه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بأنه "مؤيد لحماس وعدو لإسرائيل"، فيما قال الوزير السابق أفيغدور ليبرمان إنّ "نيويورك انتخبت رمزاً للجهاد الصامت"، داعياً يهود المدينة إلى "الهجرة إلى وطنهم الحقيقي".
أما نائبة وزير الخارجية شارين هاسكل فاعتبرت فوزه "مقلقاً جداً بالنظر إلى تاريخه المعادي لإسرائيل"، بينما صرّح السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون بأنّ الجالية اليهودية "تستحق قادة يحمونها لا قادة يستهدفونها".
وفي المقابل، تعهّد ممداني بـ"حماية الجالية اليهودية في نيويورك وزيادة موازنات مكافحة جرائم الكراهية بنسبة 800%"، مؤكداً أنّه "سيعمل مع جميع الحاخامات وقادة المجتمع المدني دون تمييز".
لم يُخفَ ممداني يوماً دفاعه الصريح عن القضية الفلسطينية، إذ وصف الولايات المتحدة بأنها "الشريك الرئيسي في الاحتلال الإسرائيلي"، وقال في أحد خطاباته الجامعية: "لا يمكن أن تكون تقدمياً في كل شيء إلا في فلسطين".
وفي عام 2023، قدّم ممداني مشروع قانون بعنوان "ليس على حسابنا" لمنع تمويل الشركات غير الربحية للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، كما أعلن أنّه سيُلغي مجلس تعزيز العلاقات الاقتصادية الأميركية – الإسرائيلية في نيويورك.
وخلال حملته، صرّح بوضوح: "إذا زار بنيامين نتنياهو نيويورك، فسأعمل على توقيفه بتهمة ارتكاب جرائم حرب".
يرى مراقبون أنّ فوز ممداني يعكس تحوّلاً عميقاً في الرأي العام الأميركي تجاه إسرائيل، خصوصاً بين الجيل الشاب. فقد أظهر استطلاع لجامعة كوينيبياك أن 41% من الناخبين في نيويورك يؤيدون مواقفه من إسرائيل مقابل 26% فقط لمنافسه.
وقالت أسوشيتد برس: "كان دعم إسرائيل شرطاً للفوز في نيويورك... إلى أن جاء زهران ممداني".
وتشير صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أن ممداني "حطم القاعدة التقليدية التي ربطت النجاح السياسي بولاء غير مشروط لإسرائيل"، معتبرة أن فوزه "ناقوس خطر لمستقبل التحالف الأميركي – الإسرائيلي".
يرى محللون أن صعود ممداني قد يغيّر طبيعة الحزب الديمقراطي الأميركي في السنوات المقبلة، ويفتح الباب أمام خطاب يساري جديد يجمع بين العدالة الاجتماعية ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي.
وتؤكد منصة بوليتيكس توداي أنّ "فوز ممداني ليس مجرد انتصار انتخابي، بل انتصار رمزي على نفوذ اللوبي الصهيوني في عقر داره".