"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
علم "ليبانون ديبايت" من مصدرٍ دبلوماسي عربي في بيروت، أنّ سبب استياء المبعوث الأميركي إلى لبنان وسوريا والسفير في تركيا، توماس براك، من السياسيين اللبنانيين واتخاذه مواقف عالية السقف تجاههم، وصولاً إلى وصفه لبنان مؤخراً بـ"الدولة الفاشلة"، يعود إلى ما يردّده عن تعرّضه لـ"خداع سياسي" من جانب مسؤولين لبنانيين.
وبحسب المصدر، فإن براك يزعم أنه سمع وعوداً من مسؤولين لبنانيين بإستعدادهم للدخول في مفاوضات مع إسرائيل. وعندما أطلعهم عن مقاربة الولايات المتحدة التي تفكّر في توسيع مشروع الانضمام إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" على أن تشمل لبنان بالتوازي مع دخول سوريا المسار، "لم يعترضوا"، بل إعتبر بعضهم أنه المقترح "يمكن النظر فيه".
ترتيبات أمنية ثم إتفاق
تنطلق الأفكار الأميركية – الإسرائيلية من أن المسار سيبدأ عبر تثبيت ما يسمّى "ترتيبات أمنية"، وهي اتفاقات ذات طابع أمني تخطط إسرائيل لإبرامها بالقوة مع سوريا لبنان وقطاع غزة حيث تحتل أجزاء واسعة من أراضيها، ليُمهَّد بعدها الطريق لأي اتفاق أوسع.
استناداً إلى تقارير دبلوماسية، وضع براك إدارته في صورة ما ناقشه مع بعض المسؤولين اللبنانيين كذلك وضع الإسرائيليين بالأجواء، الأمر الذي دفع مسؤولاً أميركياً إلى القول قبل مدة إن دولاً في المنطقة أبلغت واشنطن رغبتها بالانضمام إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" لكنها تخشى الإعلان خوفاً من ردود فعل شعوبها. ويؤكّد ذلك تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام، خلال إعلان انضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، حيث قال إن دولاً عديدة تسعى للالتحاق بهذا المسار.
إلّا أن ما جرى في بيروت خالف تماماً ما اعتقد براك أنه توصّل إليه. فقد تبيّن أن المسؤولين اللبنانيين الأساسيين أعلنوا رغبتهم في دخول مفاوضات وفق صيغة "غير مباشرة" -وليس كما يزعم برّاك أنه قيل له-، بما يؤدي فقط إلى إبرام "ترتيبات أمنية" مع إسرائيل تشملاً إنسحاباً إسرائيلياً من الأراضي التي احتلّت مؤخراً.
مسايرة "على الطريقة اللبنانية"
الإعلانات التي تولّى رئيس الجمهورية جوزاف عون إطلاقها حول استعداده للذهاب إلى "مفاوضات" لم تلقَ أي صدى لدى الإدارة الأميركية، ولا لدى إسرائيل التي تفضّل مساراً مباشراً وواضحاً يفضي إلى اتفاقيات تعالج القضايا العالقة تاريخياً بين الطرفين.
يرجّح المصدر أن يكون توماس براك قد فسّر خطأً "مسايرة" بعض اللبنانيين له – على الطريقة اللبنانية – وصولاً لإعتبار ما سمعه إعلاناً بالاستعداد للدخول في مسار تفاوضي قد يفضي إلى ضمّ لبنان إلى مسار الاتفاقيات الإبراهيمية. ويرجح المصدر أذا كان ما يقوله براك صحيحاً، أن يكون التصرّف اللبناني معه جاء تحت عنوان "شراء الوقت". وعندما أبلغ بلاده بما فهمه، ثم اكتشف لاحقاً أن مواقف الأركان السياسية في لبنان تسير في اتجاه مختلف، عبّر عن غضبه عبر مواقفه وكتاباته، وهو ما تفعله واشنطن الآن بدليل تجاهلها التعليق عمّا يصدر من جانب الرئيس الجمهورية عون حول الإستعداد للدخول في مفاوضات.
ولا يستبعد المصدر احتمال أن تكون معطيات وصلت إلى بعض المسؤولين اللبنانيين عبر طرف دبلوماسي ثالث، مفادها أن إسرائيل تسعى من أي تفاوض إلى نيل اعتراف لبناني رسمي بما تسيطر عليه من أراضٍ لبنانية، بوصفها "مناطق نفوذ تحتاج للبقاء فيها ضمن صيغة معينة يجري الإتفاق حولها"، ما دفع هؤلاء المسؤولين إلى التحوّط من أي مسار قد يترتب عليه مخاطر سياسية وأمنية داخلية.
إسقاط القرارات الدولية
يكشف المصدر الدبلوماسي لـ"ليبانون ديبايت" أن إسرائيل، التي نجحت –بالإشتراك مع واشنطن- في وضع حدّ لوجود قوات اليونيفيل جنوب الليطاني (ينتهي تفويضها نهاية عام 2026)، مع ما يتضمنه ذلك من إنهاء العمل بالقرار 1701 نظرياً، تريد الانتقال إلى مرحلة ثانية تقوم على تكريس ما تحقق باتفاق جديد ومكتوب. ويتضمّن هذا "الاتفاق" استبدال اتفاق الهدنة الموقّع عام 1949 باتفاق آخر وفق الوضعية الجديدة، إضافةً إلى انتزاع اعتراف لبناني بإلغاء مفاعيل القرارات الدولية المتعلقة بالشأن اللبناني.
فإلغاء مفاعيل تلك القرارات، كما ترغب إسرائيل، يعني تجاوز ما يرد في القرارات 279 و313 و425 و459 وغيرها، والتي تنص جميعها على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والانسحاب إلى الحدود الدولية المعترف بها، في إشارة إلى اتفاقية "بوليه – نيوكومب" الموقّعة بين فرنسا وبريطانيا عام 1923، والتي تشكّل المرجعية الدولية للحدود اللبنانية.
إجراء كهذا يعني أن إسرائيل تريد وضع جميع النقاط التي تحتلها في جنوب لبنان، بما فيها الجزء الشمالي من بلدة الماري (الغجر)، والنقاط الـ13 المتحفّظ عليها، وربما أيضاً القرى السبع (الواردة في الخرائط القديمة على أنها لبنانية)، إضافة إلى النقاط الخمس (أصبحت سبعاً) التي تحتلها منذ 27 تشرين الثاني 2025، على طاولة التفاوض، في سياق سعيها لشرعنة احتلال بعض المناطق عبر اعتراف لبناني رسمي بوصفها مناطق "ذات ضرورات أمنية" وهو ما يتم تطبيقه في سوريا الآن.
وكشف المصدر أن توم براك كان يعمل على تطبيق "سيناريو المفاوضات الإسرائيلية – السورية" في لبنان، مؤكداً أن براك كان يأمل من لبنان أن يقوم بتسمية دولة ثالثة لاستضافة مفاوضات مباشرة بينه وبين إسرائيل بعد إقرار صيغة التفاوض المباشر. والصيغة المباشرة وفق النموذج السوري كانت تعني مشاركة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي المقرّب من بنيامين نتنياهو، رون دريمر. وإذا توسعنا في تطبيق النموذج السوري، فيكون وزير الخارجية اللبناني هو الجهة المقترحة للتفاوض.