تشهد الساحة السورية في الأيام الأخيرة موجة متصاعدة من الاضطرابات الأمنية تمتد من الجنوب إلى الوسط والشرق، ما يضع الرئيس أحمد الشرع أمام اختبار سياسي وأمني بالغ الحساسية، في وقت ينخرط فيه في مسار دبلوماسي جديد أعاد دمشق تدريجياً إلى الشراكة الدولية بعد سنوات من العزلة.
وفي هذا الإطار، أعلنت لجنة التحقيق في أحداث السويداء توقيف عدد من عناصر الجيش والأمن الذين ظهروا في مقاطع مصوّرة توثّق انتهاكات خلال التوترات الأخيرة. رئيس اللجنة، القائد حاتم النعسان، شدد على أن التحقيقات "حيادية ولا تخضع لإشارات أو تعليمات من أي سلطة"، مؤكداً أن عمليات التوقيف والإحالة للقضاء جرت استناداً إلى أدلة رقمية واضحة.
ورغم توقيف المتورطين، ما تزال الاشتباكات مستمرة، وسط أسئلة كبيرة حول مصير النساء والأطفال المختفين، وظروف التحقيق، مع تجدّد المواجهات بين قوى الأمن الداخلي ومجموعات مسلّحة وُصفت بأنها "متمردة".
ولم يقتصر المشهد الميداني على الجنوب، إذ أعقب الانفجار الذي هزّ حي المزة قرب القصر الرئاسي، جريمةُ إطلاق نار داخل صالة ألعاب في ريف حمص الغربي أسفرت عن مقتل مختار قرية أمحارتين وشخص آخر. وفي الشرق، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية إحباط هجوم بطائرات مسيّرة وانتحاريين نفذته قوات تابعة للحكومة السورية في ريف الرقة الشرقي.
وفي خضم هذه الفوضى، أعلنت إسرائيل أن جيشها سيبقى مسيطراً على قمة جبل الشيخ، في خطوة يراها مراقبون استثماراً لحالة الارتباك الأمني في الجنوب السوري لتعزيز نفوذها.
وفي قراءة أمنية شاملة للمشهد، حذّر الخبير العسكري والأمني العميد الركن عبدالله الأسعد، ضيف برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، من أن التحول السياسي الأخير لسوريا يترافق بالضرورة مع "تصاعد في النشاط الإرهابي".
وقال الأسعد إن "النشاط الدبلوماسي والسياسي الناجح للحكومة السورية تبعته تفاهمات أمنية ودخول سوريا إلى التحالف الدولي، وهذا يعني أن هناك نشاطاً إرهابياً سيتصاعد نتيجة الحركة السياسية النشطة". وأشار إلى أن تصريحات توماس باراك حول تحول سوريا إلى شريك في مكافحة الإرهاب "أغضبت أطرافاً متشددة تريد إيصال رسائل بأنها ما تزال موجودة"، مضيفاً: "هذه الخلايا شعرت أنها الآن في قارورة، بعدما أصبح هناك تشارك في ملاحقتها، فحاولت الاستباق عبر ضربات صاروخية كاستهداف حي المزة".
ولفت إلى وجود مجموعات مسلحة "ما تزال تعمل وفق أجندات خاصة داخلية أو خارجية"، قد تكون مرتبطة بجهات على الحدود أو خارجها، وتتحرك بهدف زعزعة الأمن.
أما عن الدور الإيراني، فأوضح الأسعد أن "إيران لا يروق لها أن ترى الجغرافيا السورية تتحرر من نفوذ ميليشياتها… أصبحت خارج المشهد بالكامل ولم يعد لديها آليات تنفيذ".
ومع توسّع رقعة التوتر وتعدد الفاعلين المسلحين، يواجه الرئيس أحمد الشرع تحدياً كبيراً في فرض الاستقرار، خصوصاً أن بعض الفصائل داخل الجيش تحمل خلفيات أيديولوجية غير متجانسة مع المسار الجديد.
ويرى الأسعد أن توحيد الجيش ضمن عقيدة قتالية جديدة ضرورة ملحّة، قائلاً: "الجيش السوري الجديد لن يكون كما كان سابقاً. هناك عقيدة شرقية وغربية، وتوجّه نحو التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتقليل الاعتماد على العنصر البشري".
الأيام المقبلة تبدو حاسمة، إذ يقف الشرع بين مسار دبلوماسي صاعد ومسار أمني بالغ التعقيد، فيما تتوقف المرحلة المقبلة على قدرته في إحكام القبضة الأمنية ومنع انزلاق البلاد نحو موجة فوضى جديدة قد تستثمرها أطراف إقليمية ودولية.
ويختتم الأسعد بتوصيف حالة القلق الشعبي قائلاً: "السوريون يتساءلون اليوم ما الذي ينتظرهم… لأن كل جغرافيا سوريا تشهد حركات تتزايد عندما يكون هناك استحقاق سياسي كبير".
وبذلك، يجد الشرع نفسه أمام اختبار من العيار الثقيل: إما أن ينجح في تثبيت الأمن ويعيد الدولة إلى مسار طبيعي، أو تتواصل دوامة الاضطرابات التي تهدد المشهد السوري بأكمله.