تترقّب الأوساط السياسية اللبنانية ردود القوى على المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية جوزاف عون لإنهاء الوجود الإسرائيلي في الجنوب، وذلك في خطابه الذي ألقاه من مدينة صور لمناسبة الذكرى الـ82 لاستقلال لبنان، لما يحمله الموقع من رمزية وطنية جامعة.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري أوّل المعلّقين على خطاب عون، إذ قال لـ"الشرق الأوسط": "إنه خطاب استقلالي في يوم الاستقلال، شكلاً ومكاناً وموضوعاً ومضموناً".
وفي ما يتعلق بزيارة معاونه السياسي النائب علي حسن خليل إلى طهران ولقاءاته مع عدد من المسؤولين الإيرانيين المتابعين للملف اللبناني، رأى بري أنها "جيدة وإيجابية"، مؤكداً أنّ "الانتخابات النيابية ستجري في موعدها (أيار المقبل)، ولا مبرر لتأجيلها، وعلى أساس القانون النافذ بعد انتهاء مهلة تسجيل المغتربين".
لكن تعليق بري يفتح الباب أمام التساؤلات حول موقف "حزب الله"، رغم أنّ مصادر مقرّبة من "الثنائي الشيعي" وأخرى تدور في فلكه، تتعامل مع خطاب عون بوصفه مبادرة شاملة "كاملة الأوصاف" لإنهاء الوجود الإسرائيلي في الجنوب، معتبرة أنه لا يتضمن تنازلات ولا يمكن الاعتراض عليه. وتقول المصادر إن الحزب قد تكون لديه ملاحظات تهدف إلى توضيح بعض المضامين، من دون أن يطعن بها، آخذاً في الاعتبار موقف بري الأوليّ منها.
وأشارت المصادر إلى أنّ الحزب لا يزال حتى الآن في مرحلة التشاور مع بري، ويجري تقييماً داخل "أهل البيت" للمبادرة الرئاسية، مرجّحة أن يحدد موقفه الرسمي في الخطاب الذي يُفترض أن يلقيه الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في الذكرى السنوية لاتفاق وقف العمليات العدائية الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا، والتزم به لبنان والحزب منذ إقراره في 27 تشرين الثاني 2024، مقابل امتناع إسرائيل عن تطبيقه.
وأكدت مصادر "الثنائي" أنّ عون، بدعوته للتفاوض السلمي مع إسرائيل برعاية أميركية أو أوروبية أو أممية، أراد توجيه رسالة مفادها رفضه للمفاوضات المباشرة، وإصراره على أن تبقى تحت سقف انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية تنفيذًا للقرار 1701.
ووصفت المصادر المبادرة بأنها خريطة طريق لتحرير الجنوب، مشيرةً إلى أنّ عون راعى المزاج الشيعي العام الذي يطالب بإعمار البلدات المهدّمة وعودة الأهالي إلى منازلهم. وترى المصادر أنّ الحزب مضطر للتعاطي معها بواقعية، إذ يصعب عليه إيجاد ثغرة تبرّر رفضها.
كما لم تستبعد المصادر أن تتواصل قيادة "حزب الله" مع القيادة الإيرانية لاستطلاع موقفها من بندين أساسيين: دعوة عون إسرائيل للتفاوض السلمي، واحتمال معاودة المفاوضات الأميركية – الإيرانية، خصوصاً أنّ هذين الملفين شكّلا محور لقاءات خليل في طهران مع علي لاريجاني ووزير الخارجية عباس عراقجي.
وأشارت المصادر إلى أنّ الأجواء في طهران لا توحي بقلق من احتمال قيام إسرائيل والولايات المتحدة بتكرار هجوم مشترك على إيران، رغم تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ما يعزز الاعتقاد باستئناف المفاوضات بعيداً عن الأضواء.
وترى المصادر أنّ العبرة تبقى في التنفيذ، لجهة إقناع واشنطن بالضغط على إسرائيل للتعاطي بإيجابية مع مبادرة عون التي تحظى بتأييد عربي وأوروبي. وتعتبر أنّ مجرد موافقة «حزب الله» عليها بلا شروط يوفّر غطاءً وطنيًا ويحرج إسرائيل دوليًا، بدلاً من أن يضع الحزب نفسه في موقع المعطّل.
وفي المقابل، تؤكد مصادر سياسية أنّ الحزب مضطر للتدقيق في موقفه وعدم التسرّع في رفض المبادرة، لأن ذلك قد يعني الإقرار ضمناً بعدم استخلاص العبر من إسناده لغزة وما ترتّب عليه من سوء تقدير لرد الفعل الإسرائيلي، والذي أدى إلى عزله داخليًا باستثناء احتضان حركة "أمل".
وتساءلت المصادر عن دوافع "المزايدة الشعبوية" على عون، في إشارة إلى موقف "القوات اللبنانية"، معتبرة أن انتقاد الحكومة بذريعة عدم تطبيق حصرية السلاح يستهدف رئيس الجمهورية من دون تسميته.
كما سألت: إلى متى يستمر "حزب الله" في إنكاره لواقع الجنوب؟ وهل يحتاج إلى "ثمن سياسي" يبرّر تراجعه ويرضي حاضنته الشعبية بالتزامن مع فتح الباب أمام إيران لتحسين شروطها في المفاوضات مع واشنطن، خصوصًا أنّ "الثمن" يرتبط بإعادة الإعمار التي لن تتحقق من دون الموافقة على حصرية السلاح؟
وتضيف المصادر أنّ السؤال المطروح اليوم هو ما إذا كان الحزب بات مقتنعًا بأن الوقت حان للانتقال إلى مشروع الدولة، أو أنه سيواصل سياسة الإنكار بينما يدخل لبنان مرحلة شديدة الحساسية، ولم يعد أمام الجميع سوى الالتزام بالحل الدبلوماسي للوضع في الجنوب، ودعم عون لتأمين إجماع لبناني حول مبادرته التي تشكل فرصة لفرض ضغوط دولية على إسرائيل للتفاوض السلمي، بدلاً من استمرارها في الضغط بالنار لدفع لبنان نحو مفاوضات مباشرة تدرك أنها مستحيلة، رغم محاولات البعض الترويج لها داخلياً.