وأكّد النائب ياسين ياسين، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن المسار التشريعي للمشروع يُرجَّح أن يبدأ بإحالته إلى لجنة المال والموازنة، مع احتمال إحالته إلى لجنة مشتركة، إلا أنه يرى أن الوجهة الأساسية ستكون لجنة المال والموازنة تحديداً، حيث يُفترض أن يُفتح نقاش معمّق حول المشروع شكلاً ومضموناً.
وأوضح ياسين أن البحث في القانون، من الناحية الشكلية، يبدأ وفق الأصول المتّبعة، من خلال قراءة أولى، يليها شرح الأسباب الموجبة، ثم مناقشة المواد مادةً مادة، بدءاً بالتعريفات، مروراً بالأصول الإجرائية، ثم تنظيم الأصول، وصولاً إلى بنود الإصلاح.
ولفت إلى أن الحديث عن "تنظيم الأصول" يعني أن القانون يضع، في إطاره العام، أسساً ومبادئ ناظمة تشكّل القاعدة لأي مسار إصلاحي.
وتابع أن جوهر الإشكال يكمن في المضمون، مشدداً على أن هناك سبعة عناصر أساسية لا يمكن إقرار أي قانون من دون إدراجها صراحةً فيه:
- أولاً إلى ضرورة إجراء تدقيق جنائي شامل يواكب هذا القانون، إلى جانب تدقيق مالي متكامل.
-ثانياً، إلى إرساء مبدأ المسؤولية القانونية على المصارف التي ارتكبت مخالفات أو تجاوزات مالية.
-ثالثاً، إلى تجميد الحسابات المشبوهة، ولا سيما تلك المرتبطة بتحويلات أو ممارسات غير مشروعة.
-رابعاً ضرورة محاسبة المسؤولين عن القروض التجارية التي تقدَّر قيمتها بنحو 35 مليار دولار، والتي شكّلت استنزافاً كبيراً للقطاع المالي.
-خامساً، فرض غرامات واضحة على الهندسات المالية، وعلى كل من شارك فيها أو استفاد منها.
-سادساً، إقرار آليات محاسبة وتدقيق مسبقة قبل الدخول في أي إجراءات لاحقة.
-سابعاً، الامتناع عن توزيع الخسائر قبل استكمال مساري التدقيق والمحاسبة بشكل كامل.
وشدّد ياسين على أن الشرطين الجوهريين لأي مسار إصلاحي حقيقي هما التدقيق الجنائي والمحاسبة، موضحاً أنه بعد تثبيت هذين المبدأين يمكن الانتقال إلى ترتيب المسؤوليات وفق تسلسل واضح، يبدأ من الجهة التي تتحمّل المسؤولية الأولى، وصولاً إلى المستويات الأدنى، ضمن تراتبية قانونية عادلة وشفافة.
وفي ما يتعلق بصندوق النقد الدولي، أوضح ياسين أن المطلب الأساسي للصندوق هو عدم المساس بأصول الدولة اللبنانية، انطلاقاً من مبدأ أن أي برنامج دعم أو تمويل لا يجب أن يكون على حساب هذه الأصول، لكنه حذّر من أن الإشكالية تكمن في أن هذا الخيار، إذا أدّى إلى تحميل الشعب اللبناني أعباء إضافية، يعني عملياً نقل كلفة الانهيار من المرتكبين إلى الناس، وهو أمر مرفوض بشكل قاطع.
وأشار إلى أن مضمون القانون واضح بالنسبة إليهم، وأنهم يدركون تماماً ما يريدونه منه، معتبراً أن تعديل المواد القانونية داخل لجنة المال والموازنة هو مسار طبيعي، لا سيما أن اللجنة تضم مختلف القوى السياسية الممثلة في البرلمان.
وأكّد أن النقاش سيكون طويلاً ومعقّداً، شكلاً ومضموناً، لأن الملف أساسي ومفصلي، ويمكن اعتباره مفترق طرق حقيقياً. وقال ياسين إن لبنان اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السير باتجاه بناء دولة طبيعية، دولة سيادة ومؤسسات وإصلاح حقيقي، وإما تكريس منطق الإفلات من المحاسبة من جديد.
ولفت إلى أن الإصلاح المالي ليس تفصيلاً تقنياً، بل جزء لا يتجزأ من مفهوم الدولة الطبيعية، حيث يكون المسؤول خاضعاً للمساءلة.
واستعاد ياسين محطات من التاريخ اللبناني، مشيراً إلى أن البلاد شهدت أزمات متكررة، في ستينيات القرن الماضي، ثم في أواخر الثمانينيات، وبعدها في التسعينيات، وصولاً إلى الانهيار الكبير في عامي 2019 و2020.
واعتبر أن لبنان عالق في حلقة مفرغة تتكرر كل عشرين أو ثلاثين سنة، ولا يمكن كسرها إلا من خلال المحاسبة.
وأوضح أن الانهيارات المالية تحصل في كل دول العالم، لكن الفارق يكمن في أن الدولة تحاسب، ومن خلال المحاسبة تُستعاد الثقة.
وأضاف أن الهدف هو استعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني وبالدولة اللبنانية، وهذه الثقة لا تُبنى على تحميل الناس المسؤولية، بل على تحميلها لمن ارتكب الجرائم المالية.
وأشار ياسين إلى أن جرائم كبيرة ارتُكبت، أبرزها في ملف القروض التجارية التي بلغت نحو 35 مليار دولار، والتي تحوّلت في كثير من الحالات إلى مصدر إثراء غير مشروع، حيث انتقل أشخاص من حالة مديونية كبيرة إلى حالة ثراء مفاجئ، وهو أمر غير مقبول إطلاقاً.
كما شدّد على أن المصارف التي استفادت من الفوائد العالية والهندسات المالية، وحققت أرباحاً طائلة نتيجة هذه العمليات، يجب أن تتحمّل مسؤوليتها وأن تدفع الثمن.
وأكّد ضرورة التمييز الواضح بين الأموال المشروعة وغير المشروعة، لافتاً إلى وجود أدوات قانونية ومالية تسمح بذلك، وتتيح تخفيف حجم الفجوة من دون تحميل المودعين الخسائر، معتبرًا أنهم لا يساوون بين مودع ومودع، ولا يشرّعون الفوضى أو الفساد، ولا يقبلون بمنطق "عفا الله عما مضى"، متسائلاً: بأي حق يُقال لمن هرّب أمواله إلى الخارج بالدولار أو استفاد من منظومة الفساد "عفو الله وعفو الدولة"؟
واعتبر أن هذا الأمر مرفوض على الإطلاق، مشدّدًا على أن الدولة الطبيعية تبدأ بالمحاسبة، ومن دونها لا إصلاح ولا ثقة ولا نهوض اقتصادي.
وفي الشق المتصل بالاستحقاق الانتخابي، رأى ياسين أنه من المعيب ربط الاستحقاق الانتخابي بمشاريع حيوية تهم الناس، مؤكدًا على أن أي شأن داخلي لبناني، مهما كان حجمه أو خطورته، يجب ألّا يُستعمل ذريعة للتدخل في الانتخابات النيابية.
وأوضح أن الانتخابات يجب أن تُجرى في موعدها الدستوري من دون أي تأجيل، لا تقني ولا سياسي، لأن أي تأجيل من هذا النوع لا مبرر له.
وقال: "لبنان أمام أزمة حقيقية عمرها ست سنوات على الأقل، وربما تمتد جذورها إلى عشر سنوات، وقد انكشفت بوضوح منذ ست سنوات، وكان يفترض معالجتها فوراً لا ترحيلها من استحقاق إلى آخر".
واعتبر أن الحل لا يكون بتأجيل الانتخابات، بل بتحديد المسؤوليات ومحاسبة المرتكبين".
وختم ياسين بالتشديد على أن الانتخابات ليست مسؤولة عن هذه الجرائم، ولا يجوز استخدامها كذريعة للتأجيل، مشيرًا إلى أن استخدام ملف السلاح أو الأزمة المالية لتبرير تأجيل الانتخابات أمر مرفوض.
وشدّد على أن احترام المواعيد الدستورية هو المدخل الأول لاستعادة الثقة، وأن أي مساس بها يضرب جوهر النظام الديمقراطي ويكرّس ثقافة الإفلات من المحاسبة.