Beirut
16°
|
Homepage
خفايا مقتل أنطوان الحايك
عبدالله قمح | الثلاثاء 24 آذار 2020 - 3:00

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

على الأرجح، قضية مقتل العميل "اللحدي" السابق أنطوان الحايك مقبلة على افتتاح موسمٍ عريضٍ من التحليلاتِ والتوقعاتِ التي بدأت نماذج منها بالظهور تباعًا، تُحاكي خلفيات وتبتكر ظروفًا للعمل وتنسج روايات حولها أهدافٍ تأتي غالبيتها من خارج أي إدراكٍ أمنيّ أو حسّ بالمسؤولية، لأننا أمام حدثٍ يستهدف بأبعادهِ الظاهرة والمُضمرة ما يتجاوز تنفيذ عمليّةِ تصفيةٍ لشخصٍ متورط بفعل خيانةٍ.

تصفية أو اغتيال لا يهم، المهم الآن إدراك أن ثمة جهة غير معلومةٍ استغلَّت حالة استثنائية تمرّ بها البلاد لتنفيذِ عمليةٍ وقعها سيتجاوز على الاغلب الاطار الذي لفّت به، أيّ عمليّة تصفيةٍ ذات أبعادٍ ثأريّةٍ لعميلٍ لحديّ سابقٍ مرتبطة بإخلاءِ سبيل العميل عامر الفاخوري وتهريبه خارج لبنان.


في الحالاتِ المماثلة لا يمكن اغفال أو تجنيب البعد الامني شبهة تبني أي عمل مماثل ولاسيما أنّه حضر في ظرفٍ حساسٍ شديد الغموضِ وأوحى بأنّ الجهة المنفذة تمتهن من الحرفيةِ ما تمتهن بدليل تنفيذها العمل الموكل إليها بطريقةٍ لا غبار عليها، يقال عنها في عالم الأمن "جريمة نظيفة". يصبح من المنطقي القول، أنّ "المنفذ النظيف" صاحبُ خبرةٍ أمنية واضحة.

هذا ينقلنا إلى الاعتقاد بمستوى يُقارب حدو الجزم، أنّ المنفذ أي الجهة تمتلك من البراعة الأمنية ما يكفي لإظهار حرفيّتها ولديها الأهلية لتنفيذ عمل مشابه بهامش خطأ صفر وباستخدام عِتادٍ مؤهل يصلح لمثل هكذا ظروف. وباختلاف الظروف، إرداء أنطوان الحايك يشبه إلى حدّ ما عملية اغتيال القيادي في المقاومة حسّان اللقيس في كراج منزله بالضاحية. اذًا نحن أمام أهدافٍ من وراء العمل تتجاوز الإطار الملفوفة به الآن، وهذا واضحٌ.

غالب الظن، أنّ من وقف خلف العمل، وضع أمام عينيهِ تأمين مجموعةٍ من الأهدافِ الحيوية التي يُمكن الاستفادة منها بخلق أجواءٍ طائفيّةٍ أو حزبيّةٍ صاخبة تؤدي غرضها في توجيهِ الاتهام صوب جهةٍ واحدةٍ، وهذا سيناريو يُعمَل عليه منذ مدةٍ من أجل إدخال البيئةِ اللبنانية في جذور نزاع أهلي - طائفي خدمة لمشاريعٍ مُعيَّنةٍ.

حاول البعض بعد شيوع الخبر لفّه بإطارٍ سياسيّ واضح والتوجّه صوب تحميل الدولة مسؤولية ما حصل، وكان مبالغًا فيه مثلًا رمي التهمة على حزب الله أو الإيحاء بذلك وبمحاولة ربطها بإطار ردّ الفعل على إخراج عامر الفاخوري من السجن، ما أوحى لدى كثيرين أنّ الجهة المستفيدة من ما جرى هي أقربُ إلى حزب الله من أيّ طرفٍ آخر.

هذا يُحيلنا إلى أمرٍ آخر، يندرج ضمن خانةِ تقصّد توريط الحزب بعملٍ أمنيّ يصلح لإحداث طلاقٍ أو يسهم في خلقِ فوضى أهلية عارمة أو تباعدٍ في منطقةٍ لها ظروفها السابقة والحالية، وهذا يدفع صوب عدم تبرئةِ الساحة الاستخباراتية الاسرائيلية من أي استفادةٍ مماثلة، نظرًا لتراكم الخبرات والتجارب، وهذا ينطوي عن "نظرةٍ أمنيةٍ" اولية صادرة عن مراجعٍ مختصة في قراءتهم لأبعادِ عمليّةِ القتل.

يُصعَب على العقل قبول أنّ حزب الله قد يكون في واردِ الثأر من إخراجِ الفاخوري بتوجيهِ الهدفِ إلى شخصٍ آخر، فحزب الله ليس ساذجًا إلى هذه الدرجة ليقدم على فعلهِ يحرر عبرها توجيه اصابع الاتهام نحوه، ولو أنه أصلًا يمتلك في بالهِ هذا التصور وأراده لكان مارسه على الفاخوري نفسه.

غياب الدليل على ضلوع حزب الله واصلًا خروج الرغبةِ لديه في تنفيذِ أمرٍ مماثلٍ يدفع بالمنطق إلى الأمام، والمنطق ذاته يقول أن لا ننجر خلف العواطفِ أو أن نمضيَ صوب تقديسِ فعلةٍ مماثلة بغياب الدليل حول أهدافها الحقيقية من ورائها، وانطلاقًا من المنطق نفسه يجدر بنا طرح سيناريوهات أخرى، على سبيل من المستفيد من تصفية على نحوٍ مشابهٍ ونبدأ بالبحث عنه.

أمرٌ آخر، أنّ حزب الله تخلَّى عن سيناريو تصفيةِ العملاءِ "اللحديين" منذ اليوم الأول لتحرير الجنوب في أيار 2000. حينها أوكَل مهمة محاسبةِ العملاءِ إلى الدولة اللبنانية من دون أن يتدخلَ مكتفيًا بالمشاهدة، وهذا كان نابعٌ من قرارٍ بصون التحرير بعدما فهم وجود هدفٍ يرمي إلى إدخالهِ بفوضى أهلية تؤدي إلى فتنةٍ ذات طابعٍ أهلي - طائفي - مذهبي ستطيح بإنجاز التحرير، وهذا العنوان ما زال يصلح للاعتماد حتى اليوم.

ثمة تعجب أحتل فكر أكثر من مرجعٍ أمني وسياسي حول التوقيت الذي اختير لـ"تصفية الحايك"، فهو أتى بعد 17 عامًا على تبرئتهِ بمرور الزمن العشري بقرارٍ صادر عن المحكمة العسكرية، ولو كان لدى أيّ جهة مقاومة داخلية مصلحة في التصفية لكانت اتخذت القرار في حينهِ من دون انتظار 19 عامًا وفي ظرفٍ مماثل يحيل كافة الاتهامات إلى طرف المقاومة.

أضف إلى ذلك، أنّ ثمة أكثر من عامل يؤدي غرضه في وضع عملية قتل أنطوان الحايك ضمن إطارٍ مشبوهٍ يتجاوز مسألة الرد "المنظم" على إخراج فاخوري ويفتح الباب أمام سيناريوهات أخرى فتنويّة الطابع، فـ"الحايك" اولًا إبن بيئة مسيحية في قريةٍ ما زالَ جرحها مفتوحٌ ويمثل حقبة سوداء موجعة في ذاكرة الحرب، ثم أنّه مشهرٌ انتسابهِ إلى حزب القوات اللبنانية، وهذا يتركُ أكثر من علامةِ استفهامٍ.

أول علامةِ استفهامٍ، أنّ المنفذَ أرادَ إظهار المسألةِ على أنّها تصفية يقف خلفها حزب الله مستثمرًا في أجواءِ إخراج الفاخوري ووجود قرارٍ يشير إلى دورٍ ما للحايك إلى جانب الفاخوري.

ثانيها، أنّ القرار بالقتل نُفّذ ضمن البيئةِ المسيحية وفي بلدةٍ حساسة في تجاوز أصول التعامل بين الطوائف ما يمكن استثماره في تأجيجِ معالمِ فتنةٍ "إسلاميةٍ - مسيحيةٍ" راكدة.

ثالثها، أنّ المنفذ دفع صوب جرّ ردّ فعلٍ من الحزب المنتمي إليه الحايك، أيّ القوات، لذلك أرادَ توجيه بوصلة القوات إلى حزب الله ونقل الموضوع من خلفيّةٍ جرميّةٍ بصرفِ النظر عن شكلها الى وجهةِ إتهامٍ سياسية دلَّت على حزب الله. وفعليًا سُمِعَ كلامٌ من هذا الوزن سواء على لسان فارس سعيد وحشد من منظّري الرابع عشر من آذار وبشكلٍ أقلّ حدة ما وردَ على لسان رئيس حزب القوات سمير جعجع.

في نظرة عامة، تصلح ظروف مقتل أنطوان الحايك لرميها على كاهل حزب الله استنادًا إلى عوامل ظرفية عدّة أشرنا إليها مسبقًا، ومن المؤكد، أنّ الطرف صاحب التنفيذ كان يرمي من وراء الجريمة إلى تحقيقِ نقلةٍ على مستوى أكبر وأشمل، يتعلق بالبعدِ الأمني - الأهلي وما ينتج عنه في حالة حصول أيّ خللٍ... في الخلاصة ومن حيث الوقائع فتّش على الاستثمار الاسرائيلي دائمًا.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
عصابة "خطرة" تنشط في طرابلس... بطلتها إمرأة! 9 "النكزة الأخيرة"... منشورٌ "ناريّ" للسيّد! 5 إنتشار عسكري "غربي" في لبنان وحشود إيرانية وروسية وصلت.. عماد رزق: بيروت ستقصف وحرب التحرير بدأت! 1
بقوة 5.6 درجة... زلزال "يهز" شمال تركيا! 10 بشار بطل عمليّة نصب كبيرة في طرابلس! (صور) 6 حادثة رئاسية فضحت "الثنائي الشيعي" 2
حافي القدمين... نائب سابق يتعرّض لسرقة "من نوع آخر"! (فيديو) 11 واشنطن تكشف دورها في "الضربة الإسرائيلية" على ايران 7 مستجدات فصل بو صعب من التيار! 3
تقريرٌ يكشف مصادر تمويل حزب الله 12 كليب "يُرجح" ما قد تبلغه فرنسا لِميقاتي اليوم! 8 سيناريو "مُقلق" ينتظر مطار بيروت... إنذار خطير وأيام حاسمة! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر