Beirut
16°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
بلديات
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
رياضة
صناعة الوطن
نهيقُ حِمار في مسلخ الكرنتينا
روني الفا
|
الخميس
26
تشرين الثاني
2020
-
8:15
"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
كثرٌ تمنوا لأنفسهم أقدارَ الحمير. موهبةٌ فريدةٌ في حفظِ الطرقات. صبرٌ وأناةٌ وقدرةُ تحمّلٍ إستثنائيةٍ في التكيّفِ مع الحمولة الزائدة من البضائعِ والمتاعِ . الحمارُ الأصيلُ لا يُطلَبُ علاوةً ولا يتذمّر ولا يطالبُ بالإنضمامِ الى صندوق الضمان الإجتماعي ولا يشاركُ في اعتصامٍ مَطلبي ولا في مظاهرة نقابية. الحِمار يعمل كالحِمار كما درّبه على ذلك والده الحِمار وينقلُ إلى ولده الجحش وفاءَه لراكبيه.
ذَهَبَ بعضهم من كثرة إعجابهم بهذه الدّابّة الى تأسيسِ جمعياتٍ وأنديةٍ للحمرَنةِ. جمعياتٌ حصدت نجاحاتٍ كبيرةً في السنواتِ الأخيرة. تبريرُ هذا التفخيم للحمار يأتي من واقع أنَّ النّهيقَ باتَ في الحقيقة أكثرَ إفادةً من التشدّقِ البشري. البشرُ يتكلمونَ ليكذبوا في الغالب. الحميرُ ينهَقونَ صدقاً. مطالبُهم الحميريةُ إما شعيرٌ إما قليلٌ من الماء.
أنصحُ بعد خبرةٍ وباعٍ طويلة أن نتمثّلَ نحن المغلوبين على أمرنا في إسطبلِ السياسة بالحمارِ القبرصي. على الأقل سنتنعَّم بإسمٍ مختلف. " حمار برّي أو وحشي " أو " فرس متوحّشَة " وسنكون مدار جدلٍ بين اليونان وقبرص حولَ أصلِنا. بين أن نكونَ حميراً من دونِ مرجعيةٍ وبين أن يتنافسَ علينا أحفادُ مكاريوس من جهة وأقرباء أوناسيس من جهة أخرى لا مجال للتردد. تخيَّلوا الفرقَ بين أن تكونوا حميراً في وطنكم مربوطينَ على مدخلِ مسلخ الكرنتينا أو أن تُمنحوا شكلَ الحمارِ القبرصي فتتجوّلوا في خرائب أثينا وشواطئ پافوس وآيا نابا. لا تردد.
هذا الفصيلُ من الحمير القبرصيين غيرُ قابلٍ للركوب لأنه لا يُرَوَّض. الحمارُ العاديُّ الذي لطالما كان شعارُنا في الصبرِ على الملمّات في لبنان هو بهيمةٌ تُمتَطى. لقد تمَّ امتطاؤنا على مدى ثلاثينَ سنةٍ أظهرنا خلالها قدرةً عاليةً على تحمُّلِ كل أوزانِ من امتطانا. رَفَسونا ولَبَطونا وأشاروا علينا بالتوجه حيث أرادوا بكلمتين: هِش هش. كنا حميراً مُطيعين وقد حان الوقتُ لنتحوّلَ إلى حميرٍ مقلَّمين. سنكونُ من الآن وصاعداً حميراً قبرصيين مع شهادةِ منشئٍ تجنّبنا حملَ متاعٍ ممقوتٍ فوق ظهورنا.
شخصياً تعبتُ من الرَّسَن. أنا مربوطٌ في المكان نفسِه ووجهي المستطيلُ يكادُ يقبِّلُ الأرض. زعرانُ الحي كلّهم يرمون الحصى والحجارةَ على جسمي. في الحقيقةِ لا أعرفُ لماذا لا يتمُّ الإنتقام إلا منّا نحن معشرُ الحمير؟ كل الكلابِ الأليفةِ والقططِ السياميَّةِ المنزليةِ تتناوَلُ أفضلَ أنواعِ البَسكَويتِ المستوردِ وتحظى باحترامِ جمعياتِ حقوقِ الحيوانِ إلا نحنُ نأكلُ الحمَّيضَةَ ونشربُ المياهَ المبتذلة. باختصارٍ شديدِ النَّهيق، نحنُ حميرٌ مظلومين.
تخيَّلوا كَمْ جميلٌ أن يأتي فاعلُ خيرٍ في يدهِ فرشاةٌ بيضاءُ وأخرى سوداءُ ويرسمُ على أجسامنا الحميريةِ خطوطاً عمودية. على الأقل سنتحرَّرُ من الرّسَنِ ونعودُ إلى حريةِ البطاحِ والحقولِ والغابات. مع قليلٍ من الحظ يمكنُ أن نتحوّلَ الى فيلمٍ وثائقيٍ عن حياةِ الحمار الوحشي. على الأقل سَنسترعي انتباهَ الناس. سنكونَ حميراً مع تاريخٍ وقصة. نحن على ضوءِ واقعِ الحالِ في لبنان مواطِنون خلِقنا حميراً وأقصى أمانينا التحول الى بِغالٍ وَكُدُش.
قيلَ لنا أنه مع كثرَةِ النَّهيق ومع ظروفٍ دوليةٍ مؤاتية يمكن أن نتحوّلَ إلى أحصِنة . ملأنا الدنيا نَهيقاً وبقينا حميراً لم يُسمَع لنا صَهيل. مَن شبَّ على النَّهيق شابَ عليه. اكتشفنا في نهاية المطاف أننا لا نستحقُ التحولَ إلى أحصِنة. بالأصل لماذا يجبُ أن نحلمَ بهذا الترف؟ الحصانُ العربي الأصيل نفسُه كانَ يصهَلُ قبل التطبيع. بعد التطبيع صارَ يَنهَق. لا يمكن إيجاد فصيلة من الأحصنة الناهقة الا في العالم العربي . يمكن لأي حصان عربي يود التحوّل الى حمار الدخول الى أي إسطبل إسرائيلي. أسرع طريقة لتحويل الأحصنة الى حمير.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان،
اضغط هنا