مختارات

السبت 29 تشرين الأول 2016 - 07:09 السفير

مبادرة مخاطرة تستحقّ الطرح

مبادرة مخاطرة تستحقّ الطرح

في خضمّ الانتفاضة الشعبيّة في سوريا العام 2011، وحين بدأت التظاهرات تحشد مئات الآلاف في أنحاء البلاد كافّة، طرح بعض المعارضين العقلاء أسئلة جوهريّة حول المستقبل: ماذا بعد؟ وماذا لو لم تؤدِّ التظاهرات إلى «إسقاط النظام»؟ وكيف يُمكِن تجنّب الجنوح نحو العنف الذي بدأت بوادره منذ حينها في سلوك بعض التنظيمات الجهاديّة، أو نحو المطالبة بالتدخّل الخارجيّ على النحو الليبي الذي بات يردّده بعض «المعارضين»؟

ولم تكن السلطة السوريّة تُمانع التحوّل نحو العنف، بل شجّعته، لأنّه سيُفقِد الانتفاضة طبيعتها «الثوريّة»، وأنّها ثورة من أجل حريّة الشعب وكرامته، أي أبنائه كلهم من دون تمييز. ولم تدّخر القوى الإقليميّة ذات المصلحة جُهداً في تأجيج التظاهرات من دون هدف، وفي إبراز المعارضين الذين يطرحون شعارات طائفيّة ويطالبون بالتدخّل الأجنبيّ، وذلك بدافع خشيتها من امتداد الحراك الثوريّ إليها. هكذا كان واضحاً أنّ السلطة، كما الدول المناوئة لها، ستدفع البلاد نحو هوّة العنف والطائفيّة والتدخّل الخارجيّ.

طرح عُقلاء ينتمون لأطياف المعارضة حينها فكرةً مفادها أنّ الأمر الوحيد الذي قد يوقف المسار الكارثيّ المرسوم هو وقف التظاهر في أحد أيّام الجمع، وأن يسود الصمت كرسالة للعودة نحو زمن السياسة. والبرهان أنّ الثورة تعرف وجهتها ومقصدها وأنّها حقّاً ثورة مطالب سياسية واجتماعيّة داخليّة. وما يجعل التناقضات تنضج داخل السلطة والدولة والجيش بما قد يدفع نحو حلٍّ سياسيّ للأزمة.

وفعلاً تداعت بعض الشخصيّات العقلانيّة (آنذاك). إلاّ أنّ صوتها لم يصمُد أمام آلات العبث التي انطلقت إقليميّاً ودوليّاً على الطرفين. وتمّ أخذ الشباب الثائر إلى عدميّة شعار «إسقاط النظام بعيداً عن السياسة».

في مراحل لاحقة أطلق سوريّون عقلاء محاولات أخرى لكسر الانزلاق نحو الحرب حتّى أواخر صيف 2012. من ضمنها اقتراح نشر المراقبين الدوليين أو الجهود لتوحيد المعارضة حول مشروعٍ وطنيّ جامع أو حتّى التفاوض غير المباشر مع بعض أجزاءٍ من السلطة والدولة. مثل تلك المبادرات كلّها تمّ إفشالها من قبل السلطة والدول المناهضة لها سويّةً. فرأس السلطة كان يُدرك أنّه من موقع مسؤوليّته سيدفع ثمن الكارثة. والدول المناهضة له لم تكن تريد لا الديموقراطية ولا توحيد المعارضة بل أشياء أخرى، انطلاقاً من تصفية حسابات إقليميّة عبر السوريين.

ثمّ انطلقت «حرب التحرير» مع ما رافقها من مآس أكبر ومن مسارٍ نحو الهاوية. وجرى الانفصام بين المعارضة السياسيّة، حتّى تلك المسنودة من «أصدقاء الشعب» الأجانب والفصائل المقاتلة التي يدعمها «الأصدقاء» بالمال والسلاح. بالتوازي مع ذلك تمّ الدفع نحو شرذمة هذه الفصائل. كلّ «صديقٍ» يُساند ويدرّب فصيلا في مواجهة الفصائل الأخرى. وكلّما بُذلت جهود لتوحيدها برز سببٌ يُفشلها. بحيث يتمّ تعطيل أيّ مشروع «للمعارضة» في حلّ سياسيّ أو في حلٍّ عسكريّ.

في ظلّ مثل هذه الفوضى تعاظم نفوذ تنظيمي «داعش» و «النصرة» وما لفّ لفّهما لترسيخ الفوضى وإغلاق الباب أمام أيّ حلٍّ على المدى المنظور يكون السوريّون قوامه. واللافت أنّ أوّل جولة تفاوض بين «المعارضة» و «النظام» في جنيف قد جرت بالضبط في بداية 2013 حين أخذ الصراع بين «داعش» من جهة وجميع الفصائل العسكريّة الأخرى، بما فيها «النصرة»، مساراً يهدف إلى الهيمنة العسكريّة على الأرض وعلى المدن والأرياف في الرقّة وحلب وإدلب. وبدا وكأنّ السياسة في دنيا الإعلام، والحرب في دنيا أجهزة المخابرات الإقليميّة والدوليّة.

يبقى السؤال اليوم عمّا يُمكن أن يقترحه العقلاء السوريّون، في زمنٍ غدا من الواضح فيه أنّ المعركة الجوهريّة هي تحرير الرقّة والجزيرة السوريّة من تنظيم «الدولة الإسلاميّة»، بالتزامن تقريباً مع تحرير الموصل، وتسابق ثلاثة محاور على لعب الدور الرئيس فيها: الجيش السوريّ وحلفاؤه خاصّة الروس، و «قوّات سوريا الديموقراطيّة» وحلفاؤهم خاصّة من الولايات المتحدة، وبعض فصائل المعارضة التي تبنّتها تركيا في سباقها للهيمنة على جزءٍ من الأرض السوريّة.

تتجه الأنظار كلّها اليوم إلى حلب وإدلب وأريافهما ومآسيهما، لكنّ معاركهما تبدو خارج سياق المرحلة، وتهدف إلى إشغال طرفين عمّا يُمكن أن يحقّق إنجازاً معنويّاً وماديّاً قد يساعد يوماً ما في إيجاد حلٍّ سوريّ. ذلك أنّ «المعارضة» بأطيافها المختلفة تعيش الوضع الأكثر هشاشة، وتصرخ عبر آلات الإعلام أنّها والمدنيين، الذين تهيمن عليهم، ضحايا. في حين أنّها طرف في صراعٍ دامٍ وتخوض فيه غزوات ومعارك بشعاراتٍ من زمنٍ آخر، وتحكم على نفسها بتحالفٍ غير مضمون المآل مع «جبهة النصرة».

فماذا لو بادرت «المعارضة» إلى إعلان وقفٍ لإطلاق النار من طرفٍ واحد ولمدّة طويلة نسبيّاً، كي تغدو فقط في موضع الضحية وتدفع الأمور نحو السياسة. ليس فقط بينها وبين السلطة السوريّة، ولكن أيضاً بينها وبين «قوّات سوريا الديموقراطيّة».

قد يبدو هذا جنوناً. ولكنّه يستحقّ حساباً للمخاطر والمكاسب، وأيّ الحلول هو الأقلّ سوءاً. ومهما حصل يُمكن أن يسجّل لها أنّها قادرة على المبادرة وتهدف إلى حماية المدنيين، بل جميع السوريين. وأنّها حريصة على وحدة سوريا.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة