"ليبانون ديبايت"
وضعت الحرب أوزارها بين "المحمّدين" في السعوديّة، بعد عمليّة "الإطاحة" المشرّفة لولي العهد محمّد بن نايف من قائمة الملوك المستقبليين، وتسيّد "ابن سلمان" مقاليد اللّعبة، بعد أن أمسك بزمام الأمور السياسيّة في المملكة منذ عام 2015.
عهد "ترامب" حلّ برداً وسلاماً على الأمير الشاب صاحب رؤية "السعوديّة 2030" والتي صاغ أحرفها وتفاصيلها لتكون ضمن مشروع حكمه المستقبليّ الذي يُنظَر على أنّه سيؤول إليه عاجلاً أم آجلاً ويحوز لقب "طويل العمر" ربّما قبل عام 2030. أساساً، يتحكّم "بن سلمان" في أمور المملكة السياسيّة متسلّحاً بغطاءٍ من رأس الحكم، الذي يُردّد أنّه عاجز عن إدارة أمور البلاد، أي أنّ حيازته منصب "ولي العهد" شكليّاً، ويمكن أن يرتبط بإنهاء حالةٍ لصالح حالة أخرى، أو إزالة حجر عثرة من طريق العبور نحو الانتقال من مرحلةٍ إلى مرحلة داخل آل سعود.
حقيقةً، لم يكن ليرتفع "ابن سلمان" إلى مصاف ولاية العهد كأصغر ولي في تاريخ السعوديّة، دون جهود "العم سام" بعد أن عرف "الولي الشاب" كيف يخيّط العلاقة مع واشنطن، وكيف يستميل البيت الأبيض إليه. يسجّل نجاح ابن سلمان في اندفاعه نحو إدخال السعوديّة في صلب الاشتباك الإقليميّ مُقامِراً في مراهنةٍ نجح عبرها من جذب واشنطن. هو مهندس إقحام السعوديّة في اليمن، وعلى الرغم من كلّ الأوجاع التي تُعانيها المملكة من جرّاء تعسّفها في ذلك البلد، لكن ابن سلمان نجح في تصوير الأمر على أنّه موضع فخرٍ للسعوديّة على الرغم من كلّ الدماء التي سالت، لا بل إنّها اعتبرت "إرهاصة سعوديّة واجبة" للعودة إلى تسيّد وكمش أطراف اللّعبة الإقليميّة. من هنا كان استثمار ترامب في السعوديّة ناجحاً، بعد أن وجد فيها خير من يُعيد له خسائره، ومن يضبط له الإيقاع كالشرطي.
تقاطع المصالح بين ترامب وابن سلمان برضى النافذين في العائلة الحاكمة، كان أحد أهم أسباب إخراج ابن نايف من المشهد، استناداً إلى نوايا سحب كلّ عوامل التأثير على "المدلّل" في حكمه اللاحق، كي لا تبقى معارضة له، أو من يسير عكسه، أو من يُهدّد حكمه أو ملكه القادم، أو من ينافسه عليه، فكلّ تلك الأسباب اجتمعت بـ"ابن نايف" الذي كان واضح السير في مشروعٍ معاكسٍ تماماً لابن سلمان، على الرغم من جمال إخراجة "البيعة" التي عمّمت عبر الإعلام، وأريد منها الإيحاء بعكس المحتوى.
لا يخفي الصراع الذي كان دائراً بين الرجلين، والذي سلك دروباً عدّة، تمتدّ من القضايا الداخليّة وليس آخراً المسائل الخارجيّة وأهمّها قطر، كذلك لا تخفي الإخراجة، طبيعة "الانقلاب" الناعم الذي بدأ، واستكملت فصوله في إقصاء بن نايف عن الواجهة، وبالتالي إخراجه من معادلة "الملوك المستقبِليين" لمصلحة "شابٍ طَموحٍ بالسياسات والأفكار". فعليّاً الانقلاب كان قد بدأ حين تمّ تعيين "ابن سلمان"، بالإضافة إلى ولي ولي العهد، في منصب رئيس الديوان الملكي والمستشار الخاصّ للملك إلى جانب شغوله منصب وزير للدفاع، أي أنّ منصب ولي العهد ليس هو إلّا استكمالاً للمنهاج الذي بدأ قبل ذلك، وما هو إلّا لوضع كامل اليد على الدولة، بعد أن فرضت عليها مراسيم الطاعة منذ استحواذ شخص واحد على كلّ مقاليد الحكم.
تقرأ مصادر دبلوماسيّة في أسباب إخراج "بن نايف" في هذا الوقت بالتحديد، تزامناً مع الحرب الضروس المُشنَّة ضد إمارة قطر. لا تخفي أنّ صراع المحمدين بلغ في الفترة القريبة درجةً غير مسبوقة مع قيام ابن سلمان بتحويل البرنامج الذي وضعه لإقصاء ابن نايف إلى إجراءاتٍ تنفيذيّةٍ بدأت بزيارته منفرداً إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب. ثمّ المهرجان الأميركي – السعوديّ الكبير الذي أقامه في الرياض والذي بدا كاحتفالِ تدشين الخُطط كان أوّل بنوده إطلاق حربٍ إلغائيّة على قطر.
وتؤكّد المصادر الدبلوماسية أنّ أكثر جهة خليجية ترتبط بعلاقةٍ وثيقة مع محمد بن نايف هي دولة قطر وتحديداً بشخص أميرها تميم بن حمد. ما يعني أن بداية الإجهاز على ابن نايف لا بدَّ له أن يبدأ من إنهاء أي تأثيرٍ قطريّ في الساحة الخليجية وعلى مستوى الإقليم، وهذا ما كان حين أفرغ قطر من محتواها الإقليميّ (راجع هذا المقال https://www.lebanondebate.com/news/338372 )
لكن خلف إصرار إدارة الحكم في السعوديّة على تولّي "محمد بن سلمان" زمام الأمور، أهدافه مستقبليّة مزمنة. تنطلق التحليلات الدبلوماسيّة من أنّ "السعودية عهد نظامها أن يستمر الملك فترة زمنيّة محدودة مقارنةً مع اعراف الدول ذات النظام الملكي، نتيجة كبر السنّ، ما كان يؤدّي دوماً إلى خضّاتٍ في السياسات التي تعود أسبابها إلى التقلّب السريع من جهةٍ فكريّة إلى جهةٍ أخرى بسبب الوفاة. اختبرت السعوديّة على مدى عقود تلك التغييرات التي كانت تؤثّر على سياساتها، فقرّرت أخيراً، بعد نفاذ الأخوة، اختيار سلوك طريق الملك الشاب الذي قد يستمرّ في حكمه أعواماً طويلةً تكفل له تحقيق مشروعه.
تعدّد المصادر الدبلوماسيّة الأسباب وتضع أوّلها في البنية المترهّلة لعائلةِ آل سعود، التي باتت تشهد على بدء أفول "عهد الملوك الختايرة" وتيقّنها بأنّ الانتقال من عهد الآباء إلى الأحفاد بات مفروضاً، ما حتّم الإعداد للمرحلة الجديدة والانتقال إلى عهد "الملوك الشباب"، وأقواهم، نتيجة الرأي في العائلة والواقع السياسيّ، محمد بن سلمان، الذي يكفل له سنّه الاستمرار في الحكم 50 عاماً مثلاً!
اذاً، كان لا بدَّ من إزالة آخر جزء يقطع الطريق على محمد بن سلمان، كان ابن عمه محمد بن نايف، على شكل انتقالة ديمقراطيّة تخفي في طيّاتها انقلاباً ناعما ًعلى المفاهيم السعوديّة، وترسم أوّل خطوط الانتقالة السعوديّة إلى المرحلة الجديدة، التي ستكون عاريةً من المضامين القديمة التي تحفظ سياسات المملكة، ويجري تطبيقها دون أي معارضةٍ تُذكَر، بعد أن أخمدت نيرانها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News