المحلية

الأربعاء 22 تموز 2020 - 04:00

هذا ما حصل في الفاتيكان

هذا ما حصل في الفاتيكان

"ليبانون ديبايت" - وليد الخوري

ليس بغريب عن تاريخ بكركي ان تتحول قبلة انظار العالم للمتابعين للوضع اللبناني. فالصرح الذي لا يملك الاساطيل والطائرات والجيوش الجرارة، لطالما امتلك سلطة معنوية فرضت في كثير من المحطات التاريخية اللبنانية معادلاتها، كما حصل عام 2000، صحيح ان الكرسي البطريركي يمر بفترات من "السبات" نتيجة عوامل عديدة الا انه عندما "تحز المحزوزية" تراه في طليعة المهاجمين والمدافعين، وان كان على طريقته الخاصة.

في حقيقة الامور واذا ما اردنا ان نكون واقعيين، ورث البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ،ارثا كبيرا وثقيلا ،اذ يكفي ان يكون خليفة "لبطريرك الاستقلال الثاني"، مع ما يحمله ذلك في الوجدان المسيحي، اضف الى ذلك "تشرذم" الكنيسة ورهبانياتها مع دخول السياسة بشكل غير مسبوق الى مؤسساتها، فانصرف امام هذا الواقع الى ورشة "لملمة" في الداخل والخارج، لم يدرك الكثيرون معنى زرعها يومها.

زرع بدأ حصاده منذ اليوم الاول للثورة مع وقوف من اعطي له مجد لبنان الى جانب المنتفضين الثائرين في الشارع، يدافع عنهم، يشد من ازرهم، ينصحهم ويرعاهم، حاضرين دائما في عظاته ولقاءاته، لتتحول بكركي الى خلية نحل تعمل على اكثر من خط وطني اجتماعي، سياسي، معيشي، لا تفرق بين مسيحي ومسلم، همها تلافي الانهيار والدمار الشاملين، فاتحة بابها للجميع، حتى لاؤلئك الذين طعنوها في ظهرها محاولين ضرب مصداقيتها.

وسط كل تلك المعمعة الاجتماعية والمعيشية، والنداءات التي بقيت كصوت يصدح في البرية، في ظل سلطة مصرة على الامعان في حكمها الفاسد والجائر، كان ثمة من يبحث في اسباب الازمة التي وصل اليها البلد. فاذا كان الانهيار الاقتصادي حتمي نتيجة ما تراكم طوال سنوات، فإن غير المقبول وغير المفهوم، هو العزلة الدولية والعربية التي وضع فيها لبنان الدولة والشرعية والشعب، غصبا لا ارادة منهم، بعدما سدت كل المنافذ.

تكشف مصادر متابعة في الفاتيكان، انه مع تولي الرئيس العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية،وضع لبنان تحت المجهر الدولي، وخصوصا الاميركي - الفاتيكاني، حيث ساد الحاضرة البابوية قلق من مسار السياسة اللبنانية العامة، نتيجة التماهي الكبير الذي بلغ حد الذوبان بين حزب الله والدولة اللبنانية، بشكل لم يسبق له مثيلا منذ قيام الجمهورية الثانية، وهو امر حذر منه الفاتيكان في اكثر من مرة سواء علنا او عبر رسائل وصلت الى المسؤولين المعنيين، دون الاخذ بها.

وتتابع المصادر، بأن موقف لبنان الرسمي امام الجمعية العامة في نيويورك، اضافة الى تصاريح وزير الخارجية اللبناني يومها من الولايات المتحدة، كانت كفيلة، لتحويل المخاوف الى وقائع، مع وصول تقارير عديدة الى روما تفيد بأن الاميركيين حسموا خياراتهم في المنطقة ومن ضمنها لبنان، وان المجتمع الدولي والعربي لن يقبل بسيطرة ايران على هذا البلد وتغيير وجهه، او اعتماده كمنصة لضرب التسويات الاقليمية ومن بينها وضع نهاية للصراع العربي الاسرائيلي.

هذا الوضع الدولي المستجد، ولد ازمة داخلية لبنانية، اشعلت شرارتها احتجاجات اجتماعية بعد ان "داب الثلج وبان المرج" عن دولة فاقدة لكل مقوماتها وقرارها، عاجزة عن ابتكار الحلول وتلبية حاجات مواطنيها.

امام هذا الواقع، تقول المصادر، اطلقت الفاتيكان حملة اتصالات دولية شملت عواصم القرار الاساسية، وسط تنسيق كامل مع اطراف لبنانية معنية، منشأة لهذه الغاية مجموعات عمل مختصة.

ومع تطور الاحداث على الارض وتدهور الاوضاع، وفقدان الامل بإحداث اي خرق محلي، خصوصا بعد تشكيل الحكومة الاخيرة وما بينته تلك الولادة، خرجت الى التداول الاولي فكرة ارسال موفد بابوي رفيع الى لبنان يحمل الى المعنيين، خصوصا المسيحيين رسالة واضحة لا لبس او غموض فيها، ولا مجال للاجتهاد والتفسير، خلاصتها ضرورة وضع خط فاصل بين الشرعية اللبنانية ومؤسساتها وحزب الله، وهو ما وجد ترجمته في دعوة البطريرك الى "تحرير الشرعية"، مع ما يستتبع ذلك من حياد للدولة، كباب وحيد في ظل الازمة المستفحلة والمقاطعة الدولية لعودة لبنان الى حاضنته الطبيعية.

طرح "اصطدم" بعائق عدم وجوب اضعاف رئاسة الجمهورية وتسجيل سابقة قد تترتب عليها نتائج سلبية مستقبلا، اهمها اضعاف المركز المعنوي للرئيس المسيحي، واصرار على اعطاء العهد ورئيسه الوقت الكافي لانجاز عملية اعادة وضع لبنان في مداره الطبيعي.

وتكشف المصادر ان التقارير التي تصل العواصم المعنية تؤكد ان حزب الله يضغط بقوة على كل مفاصل القرار اللبناني ومؤسساته، معيقا اي امكانية لاحداث خرق، مستعملا كل وسائل الترهيب والتهديد، التي وصلت حد التهديد بسابع من ايار جديد، على قاعدة "علي وعلى اعدائي"، وهو امر لن يسمح به دوليا وفاتيكانيا.

عليه، تقول المصادر، تقاطعت رؤية بكركي مع موقف وسياسة الفاتيكان الواضحة تجاه قضايا المنطقة ومن ضمنها لبنان، فكان "نداء" سيدها بحياد لبنان، كباب وحيد لخلاص لبنان، للعهد ولحزب الله نفسه، الذي لن تنفعه المكابرة والرهان على لعبة الوقت وتغيير السياسات الخارجية، في ظل توافق اميركي - روسي-اسرائيلي-اوروبي - عربي على تحجيم ايران و"قصقصة" اجنحتها، الذي بدا من سوريا، ووصل الى لبنان بعد العراق.

فبكركي ومن خلفها الفاتيكان، ترى في طرحها فرصة اخيرة لانقاذ الجمهورية، ولفتح ثغرة تسهل على رئيس الجمهورية اتخاذ الخطوات اللازمة للحفاظ على ما تبقى. فرصة قد لا تطول مدتها الزمنية، بعد مرور اشهر من الازمة، وعشية الانفجار الحتمي.

روسيا عدلت دستورها للسماح لرئيسها بولاية جديدة... ووزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو جزم بأن نتيجة الانتخابات وهوية الرئيس المقبل لن تغير مما كتب... الغارات الاسرائيلية ضد سوريا مستمرة... التفجيرات المجهولة في ايران متصاعدة... انه القطار قد انطلق وفق مساره المرسوم، الذي لن يتوقف قبل محطته الاولى لبنانيا... اعادة الدولة اللبنانية الى كنف الشرعية الدولية والعربية...

فتلقفوا مبادرة بكركي... والا!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة