"ليبانون ديبايت" - وليد الخوري
أينما التقى اثنان هذه الايام، حضرت بكركي بمبادرتها ثالثهما، حتى ان اللبنانيين نسوا مصائبهم بعدما تيقنوا ان الصرح المسيحي الاول ممثلا بالبطريرك الماروني، مدعوما بصوت مطران بيروت للروم الاورثوذكس، قد وضعا اليد على الجرح مقدمين الدواء الشافي والعلاج لكل الازمات، واضعين الجميع امام مسؤولياتهم.
ومن اهم تلك المسؤوليات، قول الامور كما هي، وان بكلام دبلوماسي، لا يهدف بأي لحظة من اللحظات الى تفريغ مبادرة الحياد من مضمونها وغايتها، حيث بات لزاماً على مختلف القوى الاقرار بحقيقة الواقع والمسببات، اذا ما اردنا الخروج من النفق الذي دخلنا فيه عن سبق اصرار وتصميم، من قوى ظنت انها قادرة على الامساك بالورقة اللبنانية وتغيير وجه هذا البلد.
فإذا ما اردنا تفصيل القوى والمحاور الاساسية في السياسة اللبنانية، وتوصيفها واقعيا لجهة المقدرة والقوة لتبين لنا التالي :
1- تيار المستقبل، ورغم تماهيه مع محور السعودية الا انه يبقى غير قادر على لعب اي دور او خدمة اي من مصالح المملكة في لبنان، وهو ما بينته بطبيعة الحال تطورات الساحة اللبنانية منذ عام 2005 وحتى الساعة، اذ بدا عاجزا عن موازنة حزب الله ومحور الثامن من اذار، حتى من خلال اتخاذه مواقف سياسية اقله، وهو ما دفع في النهاية بعواصم القرار الغربي والعربي الى رفع الغطاء عن الشيخ سعد واخراجه من جنة السلطة.
2-الحزب التقدمي الاشتراكي، المعروف عنه عدم خوضه اي مواجهة حتى النهاية، و"سرعة تكويعه" وتخليه عن حلفائه الداخليين والخارجيين، وهو ما اصبح واضحا منذ انتخابات 2009 النيابية واصطفافه في الوسط في عملية ربط نزاع مع الضاحية بعد "سحسوح السابع من ايار"، وهو ما يرجح ان يستمر الى ما شاء الله ما دام القرار الجدي بانهاء محور الممانعة لم يؤت ثماره بعد.
3-القوات اللبنانية، التي تنطلق من مقاربة واضحة تقوم على مبدأ "مين جرب مجرب كان عقله مخرب" وعلى قاعدة لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين، فالحليفان السني والدرزي "بوصلوك لنص البير وبيقطوا لحبلة فيك"، من هنا اعتماد معراب لسياسة براغماتية غير مفهومة في كثير من الاحيان، خصوصا تجاه حارة حريك، رغم ارتباطات الحكيم الغربية وعلاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة واروبا وحتى بعض العرب.
4-اما حزب الله فمسيرته التاريخية الطويلة منذ عام1982 شاهدة على تموضعه في اطار محور اقليمي، ذات طابع دولي احيانا، معاد للغرب، نتيجة ارتباطه العضوي سياسيا، دينيا وماديا بالولي الفقيه، كقائد ومرشد، حيث يتماهى السياسي بالديني، دون ان ننسى ان سياسة الجمهورية الاسلامية قائمة على نشر الثورة في بلدان وازنة شيعيا ومنها لبنان.
من هنا كان انخراط حارةحريك في صراعات المنطقة من سوريا الى اليمن، ومن دول الخلج الى العراق، كيد ايرانية فاعلة، بعدما استطاعة طهران "بلعبة ذكية" ركب موجة الصراع العربي - الاسرائيلي، والتسلل الى دول الطوق وحتى الداخل، من خلال حماس والجهاد.
هكذا يتبين ان جميع القوى السياسية على الساحة اللبنانية تبقى قاصرة عن لعب اي دور داخل اي محور باستثناء حزب الله. فثلاثي الرابع عشر من آذار اثبت فشله في امكانية الاعتماد عليه دوليا، ففي عز الدعم الذي قدم له والحشد الدولي غير المسبوق له، سجل تراجعات وقدم تنازلات، سمحت لجماعة الممانعة بتسجيل النقاط الواحدة تلو الاخرى، وصولا الى احكام قبضتها. على الشرعية ساعية الى الامساك بما تبقى. كل ذلك بحجة تلافي الفتنة، قميص عثمان لتبرير جبن قواها وتخاذلهم ومراهقتهم السياسية، وهو ما اصبح قناعة راسخة في عواصم القرار الدولي. فهل على سبيل المثال يمكنكم تخيل ما كانت ستكون عليه الاوضاع لو تشبثت الرابع عشر من اذار بخياراتها؟
عليه، يمكن بكل بساطة استخلاص ان حزب الله هو الوحيد الذي يجر اللبنانيين ولبنان الى حيث يريد وفقا لحساباته واجندة رعاته الاقليميين، ما اوصل لبنان الى عزلة لم يسبق لها مثيل في تاريخه وادخله دوامة لا امكانية للخروج منها، مهما زادت نسبة "ابر المعنويات" من شعارات الصمود والتصدي، "الي ما عاد الها خبز" في اكثر من بيئة لبنانية. فقد بينت الايام ان حسابات الحارة تناقض المصلحة البنانية العليا بكل مندرجاتها، وان "مزحة" عدم انغماس الحزب في مؤسسات الدولة "واسطوانة" المقاومة المنزهة باتت فاقدة للصلاحية، في ظل الهجمة للاجهاز على ما تبقى من مؤسسات تارة بالمباشر، وطورا عبر الوكلاء.
من هنا، بات لزاما تسمية الامور باسمائها و عدم السماح "بتمييع" مبادرة البطريرك. فالوقائع واضحة "والتخباية ورا الاصبع" ما عادت نافعة والتهديد بالسلاح والفتنة والعددية، لن ترهب صاحب المبادرة، المصر على صوابية الموقف الوطني. وما التفاف الفئات اللبنانية حوله، باستثناء اصوات النشاز سوى خير دليل... فسيري يا بكركي الى الحياد واثقة الخطى وعين الله ترعاكي... فكما عادتك في المصائب والملمات، تقدمين حيث لا يجرؤ الاخرون...
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News