"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
عندما يأخذ النقاش مداه لدى المستوى الإسرائيلي حول نجاح المقاومة في تسيير "مسيّرة" فوق الجليل، فاعلم أن الأمور هناك ليست على ما يرام، وأن مشكلة العدو هي نفسها: فقدان القدرة على الردع، لذلك يغرق المعلّقون في السرد و التحليل، للتنفيس أو لإخبار القيادة العسكرية لديهم ما لا يسرّها.
المسألة بإختصار ليست على صلة بقدرة المقاومة على تسيير مسيّرة طالما أنها نجحت في ذلك لمرّات من قبل، بل إن القضية تتّصل بقدرتها على المناورة "عن بعد" من خلال مسيّرة، لا يوازي سعرها جناح طائرة حربية نفاثة من تلك التي هدّدنا بها وزير الحرب الإسرائيلي قبل يومين في ميونيخ، وأعاد تذكيرنا بالتفوّق العسكري الإسرائيلي في الجو، وهذا التذكير إنما نابعٌ من معاينته للضرر الإستراتيجي الذي لحق بهيبته العسكرية وامتداداً نحو سلاح جوّه، الذي تصرّف فوق سماء الضاحية من وراء طبيعة مراهقة مبنيّة على ردات الفعل، ولا بدّ أنه حاول إجراء تعديلات على مبدأ إعادة التوازن وإصلاح العطب الحاصل "معنوياً". فصحيحٌ أن لسلاح الجو الإسرائيلي القدرة على التدمير، لكن الصحيح أيضاً أن غيره بات لديهم قدرات موازية إلى حدٍّ ما تحت عنوان "السماء للجميع" ولا تقلّ شأناً.
وبمناسبة التذكير بتبدّل المعادلات، فإن الإسرائيلي لا بدّ أنه حاول مراراً ومن خلال "المعركة بين الحروب"، إحداث تغييرات على مستويات عدة من بينها "الحرب الأمنية" دون أن ينجح بالفعل، وهذه القضية مثلاً أتاحت له إستبدال الإجراءات التي كان يعتمدها سابقاً في سياق حروبه الأمنية، وبينما كان يعطي الأفضلية لمسيّراته العائمة في الجوّ لاستقاء المعلومات الدقيقة وأقلع عن اعتماد سلاح "المسيّرين" (أي العملاء)، عاد وبسبب التبدّل الحاصل إلى إعادة إحياء هذا الجسم، وهذا ينمّ أيضاً عن تقلّص مستوى الحضور الأمني لديه ومعاينته عطباً في هذا المجال.
ولا بدّ في سياق التطور الحاصل، أن لا تكون المسيّرات آمنة بالفعل من ناحية جمع المعلومات. فخلال مرحلة التسعينات حيث كانت القدرات التكنولوجية زهيدة ونادرة، تمكن "حزب الله" من التسلّل إلى إحدى طائرات الإستطلاع، ووضع اليد على معلوماتٍ كانت تستقيها وهو ما أوصله إلى تجهيز كمين "إنصارية" الشهير، فكيف سيكون الحال الآن مع تعاظم الأدوات التكنولوجية و القوى السيبرانية وأدواتها، ووجود مجموعات لدى الحزب تتقن هذه الحرب وتمارسها، ومؤخراً وجّهت ضربات إلى كيان العدو لم يتمّ الإفصاح عنها؟
من هذه الزاوية، أعاد السيد حسن نصرالله خلال خطابه الأخير الإشارة إلى العدو بتمدّد المقاومة نحو أسلحة اخرى "غير تقليدية"، وقد ذكره بكمين "إنصارية" لاحتمال تجدّده تحت مسمّى "إنصارية 2"، ومثل هذه الإشارة تحمل ما تحمل بالنسبة إلى الوعي الإسرائيلي، الذي تلقّى أجود أنواع عسكره، "الكوماندوس" ضربةً ثقيلةً حينها، كلّفته أن يمضي في إجراء محاكاة على هذا النوع من الكمائن طيلة 10 أعوام من استخلاص العبر، هذا ناهيك عن الأضرار النفسية والمعنوية.
ولا بدّ أن إشارة نصرالله تستبطن أمراً ما غير مرئي، وهذا التهديد لم يأتِ من فراغ إنما ينطوي على معلومة بطبيعة الحال، وعلى الأعمّ الأغلب رصدت المقاومة شيئاً أو في جعبتها شيئاً ما، فتعاملت مع القضية كحرب إستباقية بالفعل على مبدأ الردع ايضاً الذي بات يعطي أثماناً ومردوداً. وربما كانت المقاومة قد رصدت من وراء الحركة الإستطلاعية الإسرائيلية خلال الفترة الماضية "أمراً ما"، لذلك لجأت إلى استخدامها في وجه العدو. ولا بدّ من التذكير هنا أن جيش الإحتلال ما زال ينشط في مجال الرصد من الجوّ ولو أنه حدّ من حركته على المستويات المنخفضة. وفي تقدير البعض، إن إشارة نصرالله ربما مرتبطة باحتمال وصول المقاومة إلى شيء من خلال تعمّد المسيّرات الإسرائيلية، رصد نقاطٍ محددة ذات بعدٍ أمني مثلاً، والتركيز في هذا المقام ناح نقطة أو كذا ، ينمّ عن نيّةٍ في تنفيذ عملٍ ما، لذلك افترض أن ثمة تحضيرات للقيام بعمليات ذات بعدٍ تخريبي، فانبرى إلى الهجوم إستباقياً على إسرائيل. لكن لماذا لم يتعامل الحزب مع المسألة من زاوية ما تعامل مثلاً مع إنصارية 1، أي ترك العدو يتقدّم ثم يتمّ الإنقضاض عليه؟
على الأغلب، تتصل هذه المسألة بتغيّر ظروف الصراع وببعد التكتيك المعتمد في الحرب الجديدة، وبطبيعة الحال "كمين 2" يوازي "إنصارية"، قد يُستغّل من أجل توسيع المعركة في مواجهة الحزب وتكبيده نتائجها أو قد يكون للتظلّل بحدثٍ ما يُستخدم ضد المقاومة لاحقاً، وفي وضعٍ مليء بالسخونة العسكرية، قد يتطور أي حدث إلى أكثر من حجمه.
دون ذلك، فإن الحزب كمقاومة يتعامل مع المسائل الأمنية بحذرٍ شديد. فمثلاً الرقابة الأمنية التي تشهدها "فلوات" تقع في محيط الضاحية الجنوبية أو المناطق الموجودة في موازاة أسوار الضاحية، توحي عن يقظةٍ لدى المقاومة وترقّبٍ ما، أو قد يكون يأتي في إطار رسائل الجهوزية إلى الجانب الإسرائيلي. الأمر نفسه تشهده مناطق في الجنوب والبقاع وسوى ذلك، والتقدير أن "إنصارية 2" أو ما يعادلها مسألة وقت ليس إلاّ.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News