رغم وجودها في الحكومة كطرف من أطراف السلطة في البلد، تحاول القوات اللبنانية أن تتمايز عن العهد الجديد، في حرب خفية تظهر ملامحها في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتُظهر حجم الخبث الذي تعمل بموجبه لإسقاط هذا العهد في عيون الخارج ولاحقًا في عيون الداخل.
فـ”القوات” لا تهدأ في موضوع التصويب على السلاح، ليس من باب الحرص الوطني على إنهاء هذا الملف الشائك، بل “لغاية في نفس يعقوب”، لا سيما في ظل المتغيرات العسكرية والأمنية التي شهدها لبنان والمنطقة، ومع وصول العماد جوزاف عون إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية بدعم عربي وغربي، والذي يبدو أن لديه مهمة محددة وهي حصر السلاح بيد الدولة وتجريد سلاح الحزب والمخيمات.
ولتحقيق هذه المهمة، يسلك الرئيس عون مسلكين متوازيين:
• الحوار مع حزب الله في موضوع حصر السلاح،
• القضاء على الاقتصاد النقدي (الكاش)، عبر قوانين تُعيد إحياء الحياة المصرفية وتعزيز الرقابة في الشأن المالي، بهدف تجفيف منابع تمويل أي فصيل مسلح خارج إطار الشرعية.
هذه الاستراتيجية لم تُعجب “القوات” التي تخشى نجاح الرئيس، فتتحرك لعرقلة مسعاه وتضغط بشكل كبير عليه لحسم الملف بالقوة ودون أي حوار، وتطالب بمهل زمنية لذلك، في وقت لم تتجرأ فيه أكبر الدول المعادية لسلاح الحزب على طرح هذا الموضوع بهذه الحدّة.
لكن، وبحسب مصادر مطلعة، فإن نظرة معمّقة إلى سلوك “القوات” تُظهر أن هدفها يتجاوز مسألة السلاح. فالقوات، التي تخشى نجاح الرئيس، تسعى من خلال الضغط الداخلي المتواصل مقرونًا بالضغوط الخارجية إلى إفشال الحوار بينه وبين الحزب.
وتُصور أن هدف العهد هو كسر حزب الله، في حين أن الرئيس لم يقارب في أي مرحلة هذا الموضوع من هذه الزاوية، لا سيما أنه يعلم تمامًا أن القوة والتشدد من دون حوار هادئ حول هذا الملف الحساس سيؤدي حتمًا إلى إشعال فتنة.
وتُضيف المصادر أن “القوات” لم تُبدِ أي رغبة بدعم الرئيس في مسعاه الحواري، بل لجأت إلى “وضع العصي في الدولاب”، مرة من خلال المطالبة بمهلة زمنية لتسليم السلاح، ومرة عبر تفويض الجيش بنزعه. وهذا ما يكشف النوايا الخبيثة بمحاولة إضعاف الرئيس أمام الجهات الخارجية من خلال إظهاره وكأنه غير جدي بموضوع حصرية السلاح، في حين تسعى القوات للإبقاء على هذا الملف كأولوية في المشهد العام لاستغلاله إلى أبعد حدود.
فهي تعمل تارة على الإيحاء بأن الرئيس يسعى إلى كسر الحزب ونزع السلاح تحت الضغوط الدولية والداخلية، وذلك لإثارة بيئة الحزب عليه، ما يؤدي إلى تشدد أكبر في موقفه من موضوع تسليم السلاح. وبهذه الطريقة، تتمكن “القوات” من تحقيق هدفين: الأول، التأثير على حجم الدعم الخارجي للرئيس؛ والثاني، الاستثمار السياسي في هذا الملف خلال الاستحقاقات الانتخابية، لا سيما أن موضوع السلاح هو الورقة الأنجع لتجييش الناخبين في ظل غياب أي برنامج اجتماعي أو اقتصادي حقيقي لدى “القوات” يمكّنها من تعزيز شعبيتها.
ولو كان الهدف بالفعل هو تسليم السلاح دون أن تكون له تداعيات داخلية، لكانت “القوات” دعمت جهود الرئيس في هذا الإطار، ولم يُسمِّ أحد أبرز الناطقين باسمها طاولة الحوار بـ”طاولة الحمار”، وهو توصيف يكشف بوضوح عن أن “القوات” تسعى لتصوير تسليم السلاح على أنه استسلام من الحزب، وهذا ما لن يحصل، وبالتالي ستحقق هدفها الاستثماري الانتخابي على حساب العهد.