ومن هذا المنطلق، لم يجد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم في مواقف الموفد الأميركي توماس برّاك إلى لبنان أي تغيير، فهو أعلن في زيارته الأخيرة أن لا ضمانات لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وأقرّ بفشل اتفاق وقف إطلاق النار، بمعنى أن أميركا عاجزة عن ردع إسرائيل، لذلك لا يمكنها تقديم ضمانات للبنان. وبتقدير بيرم، فإن أميركا انتقلت إلى مرحلة جديدة سواء في سوريا أو لبنان، ولن تقبل بعد اليوم باتفاقات "لا حرب ولا سلم" أو تهدئة، بل المطلوب تطبيع كامل ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، وينهي نهائيًا كل قوة معادية لإسرائيل أو يمكن أن تشكل خطرًا عليها في المرحلة المقبلة.
وفي هذا الإطار، يرى بيرم أن "طوفان الأقصى" أقنع الإسرائيلي، وبالتالي الأميركي، بأن الخطر دائم إذا ظلت هناك بؤر محاربة أو مقاتلة لإسرائيل، سواء في فلسطين أو سوريا أو لبنان. ويكشف أن أحداث سوريا الأخيرة لم تأتِ من فراغ، فهي أعقبت الرفض السوري لمبدأ التطبيع، وأصرّت على مبدأ "لا حرب ولا سلم"، فتمت معاقبة الرئيس السوري أحمد الشرع بأحداث السويداء، لافتًا إلى أمر بارز، وهو أن برّاك اليوم يطالب بمحاسبة سوريا من لبنان، بما يعني جزءًا جديدًا من الضغط.
ويشدد على أن الولايات المتحدة تضغط في الوقت الحالي على سوريا ولبنان، لا سيما أنها تقول بكل صراحة إنها تخلت عن اتفاقية وقف إطلاق النار ولن تعطي ضمانات، وكأنها تضع لبنان أمام مهبّ رياح خطر جديد. ويبدو أنها في إطار التعامل بشكل أقسى، سواء مع حماس أو حزب الله أو الحكم في سوريا، الذي لم يذعن خلال الاجتماعين في الإمارات وباكو للطلبات الأميركية بالتطبيع، وهو ما يرفضه الأميركي، لا سيما بعد "الهدايا الثمينة" التي أُغري بها النظام السوري، من اعتراف به ورفعه عن لائحة الإرهاب ورفع العقبات عن سوريا، على أمل أن يتم التوصل معه إلى اتفاقية وقف إطلاق النار.
ولكن، على ما يبدو، فإن الشرع ليس قادرًا على السير باتفاقية التطبيع التي تطمح إليها إسرائيل، وإذ يرى أن كلام برّاك ناعم بالشكل، لكنه في المضمون وعدٌ بالتصعيد أكثر وترك لبنان تحت رحمة الإسرائيلي، بما يعني التخلي عن لبنان تمامًا، رغم أن الأميركي، كما يوضح بيرم، لم يلتزم أساسًا بالاتفاق لكي يعلن انسحابه منه، والدليل اعترافه بفشل الاتفاق، وانسحابه بطريقة غير مباشرة من الاتفاقية التي كان هو عرّابها.
ويقرأ بيرم، في كلام برّاك وعدًا بالتصعيد أكثر من الجانب الإسرائيلي، رغم أن هذا التصعيد قائم منذ وقف إطلاق النار، لكن السؤال، هل يتوسّع إلى اجتياح أم لا؟ هذا يحتاج إلى بحث، دون استبعاد أن يكون أمرًا مطروحًا ومحتملًا، لكنه يحمل الكثير من المخاطر. فهل إن إسرائيل، الغارقة في غزة والضفة والجنوب السوري، على استعداد لإرسال جنودها لاجتياح لبنان؟ ويعتبر أن هذا احتمال ضعيف، طالما أن إسرائيل مكتفية بالوضع الحالي من غارات واغتيالات، في المقابل، فإن الرد اللبناني ثابت، فلا يمكن أن يُبحث في مسألة نزع السلاح دون أن يلتزم الإسرائيلي والولايات المتحدة، بصفتها الراعية للاتفاق، بالخطوات الأولية، بوقف العدوان، وسياسة قضم الأراضي اللبنانية، وإعادة الأسرى، فلا يمكن الطلب من حزب الله تسليم السلاح أو الالتزام بمهلة زمنية لتسليمه، طالما الاعتداءات مستمرة، لذلك بات واضحًا أن الرد ثابت وغير متحرّك.
ويؤكد بيرم، أن لبنان يعتبر موضوع السلاح شأنًا داخليًا، وهو كذلك باعتراف برّاك، لذلك فموقف الدولة اللبنانية قائم على أن تنفّذ إسرائيل الاتفاق، وبالتالي ينفّذ لبنان ما عليه، وهذا هو موقف حزب الله أيضًا، فهو لن يسلم السلاح طالما أن هناك خطرًا إسرائيليًا، أما فيما يخص التهويل بالمجموعات التكفيرية عبر سوريا، فيرى أن التلويح بهذا الخطر موجود دائمًا، لكن النظام في سوريا غارق في الأحداث الداخلية، سواء على الساحل أو في الجنوب، فلن يُقدم على ذلك، لكنه احتمال وارد، بمعنى أنه سلاح ضغط وتهويل يتم استخدامه في الوقت المناسب.