كتب جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن في الشرق الأوسط لدى المجلس الأطلسي، أن العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في غزة، التي ترافقت مع استدعاء 60 ألف جندي احتياط، تمثل تصعيداً خطيراً قد يجرّ إسرائيل إلى أزمة استراتيجية ودبلوماسية غير مسبوقة.
وأوضح أن هذه الخطوة، المدفوعة بأجندة سياسية من حكومة تُعدّ الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، تتناقض مع ما أعلنه رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون قبل نحو عقدين حين اعتبر أن السيطرة على القطاع مستحيلة. واعتبر أن الحرب باتت بلا بوصلة، وأن شعار "النصر الكامل" الذي ترفعه حكومة بنيامين نتنياهو لم يكن واقعياً منذ البداية لأنه يناقض العقيدة الأمنية الإسرائيلية المبنية على الانتصارات السريعة القابلة للتوظيف السياسي.
وأشار إلى أن توسيع خطة السيطرة على غزة قد يمنح نتنياهو مكاسب سياسية مؤقتة، لكنه سيُكلف إسرائيل دماء إضافية، ويهدد حياة الرهائن، ويُسرّع من فقدان الدعم الدولي. وبيّن أن صورة إسرائيل في الولايات المتحدة تدهورت إلى مستوى متدنٍ تاريخياً منذ اندلاع حرب غزة، حيث أظهر استطلاع "بيو" أن 53% من الأميركيين ينظرون إليها بسلبية، مقابل تزايد الفجوة بين الأجيال والحزبين، حتى داخل القاعدة الإنجيلية.
واعتبر أن هذا التحول يهدد الركيزة السياسية والشعبية للتحالف الأميركي – الإسرائيلي، في وقت تواجه إسرائيل عزلة دولية متزايدة مع تراجع مؤشرات التطبيع العربي معها بشكل حاد. فقد انخفض التأييد الشعبي للعلاقات معها في المغرب من 31% إلى 13%، وتلاشى في الأردن إلى أقل من 5%.
وأضاف أن أي عملية عسكرية واسعة في غزة ستقضي على الآمال بإشراك الدول العربية في ترتيبات ما بعد الحرب، وهي ركيزة لأي استقرار مقبل، مشيراً إلى أن دولاً مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا ومالطا تستعد للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة خلال أيلول المقبل، في خطوة رمزية تعكس نفاد صبر المجتمع الدولي.
كما انتقد بانيكوف ما وصفه بـ"خرافة الدفاع الأحادي"، مذكّراً بأن إسرائيل لم تكن يوماً بمنأى عن دعم حلفائها، إذ لعبت الولايات المتحدة وأوروبا دوراً حاسماً في التصدي لهجمات إيران عام 2024 من خلال أنظمة دفاع متطورة وانتشار قوات ووساطة دبلوماسية حالت دون تصعيد إقليمي.
واقترح الكاتب لتصحيح المسار الإسرائيلي التخلي عن خطة السيطرة الكاملة على غزة والتركيز على تحييد قيادات حماس بالتنسيق مع شركاء عرب، وإعادة بناء الثقة مع واشنطن عبر سياسة متوازنة تراعي الحزبين، إلى جانب إصلاح العلاقات الدولية عبر شراكات استراتيجية في التكنولوجيا والمياه والصحة.
واختتم مؤكداً أن استمرار الحرب على غزة وفق النهج الحالي سيقود إلى مزيد من الدماء والعزلة، وأن إسرائيل باتت مهددة بفقدان أهم أوراقها الاستراتيجية: الدعم الأميركي، الانفتاح العربي، وتعاطف جزء من المجتمع الدولي. وشدد على أن اللحظة الراهنة تتطلب شجاعة سياسية ورؤية جديدة توقف التصعيد وتفتح الباب أمام حلول طويلة الأمد تحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.