تلقت سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب صفعة جديدة مع إقرار محكمة الاستئناف الفيدرالية بأن العديد من الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضها خلال ولايته "غير قانونية"، في قرار وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه يشكل انتكاسة كبيرة لأجندة ترامب وقد يقوّض أحد أبرز مصادر نفوذه في حرب التجارة العالمية. الحكم الصادر أيّد قرارًا سابقًا لمحكمة أدنى درجة في أيار الماضي، يقضي بعدم تمتع الرئيس بسلطة مطلقة لفرض ضرائب على معظم الواردات إلى الولايات المتحدة، لكنه أرجأ التنفيذ حتى منتصف تشرين الأول، بما يسمح باستمرار الرسوم مؤقتًا ريثما تُستأنف القضية أمام المحكمة العليا.
وجاء هذا التطور ليعكس حجم المأزق الذي تواجهه الاستراتيجية التجارية لترامب، والتي استندت إلى قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية الصادر في السبعينيات لفرض رسوم شاملة على شركاء تجاريين للولايات المتحدة. هذا القانون كان يُستخدم تقليديًا في سياق العقوبات والحظر، غير أن ترامب سخّره كأداة لزيادة الإيرادات والضغط على دول أخرى من أجل إبرام اتفاقيات مواتية.
قبل صدور الحكم، أبدى كبار المستشارين الاقتصاديين قلقهم من انعكاسات القرار على مصير عدد من الاتفاقيات التجارية، وبينها اتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي قدّم تنازلات كبيرة لتفادي فرض رسوم أميركية أعلى. أما ترامب، فانتقد الحكم بشدة في منشورات عبر منصة "تروث سوشيال"، مؤكدًا أهمية العوائد المتأتية من الرسوم، فيما اعتبر البيت الأبيض على لسان متحدثه كوش ديساي أن الرئيس مارس صلاحياته "بشكل قانوني" دفاعًا عن الأمن الوطني والاقتصادي.
خبراء الاقتصاد وصفوا القرار بأنه تطور بالغ الأهمية، إذ يوضح أن ترامب تجاوز صلاحياته القانونية، فيما يبقى الاختصاص الأصيل بفرض الضرائب والرسوم من صلاحيات الكونغرس. ويرجّح محللون أن تواصل الإدارة الأميركية استئناف الحكم أمام المحكمة العليا، وفي حال تأييده فسيؤدي ذلك إلى إلغاء معظم الرسوم نهائيًا، باستثناء تلك المفروضة على الصلب والألومنيوم. هذا السيناريو قد يجبر الإدارة على إعادة صياغة سياستها الجمركية في إطار قوانين أكثر تقييدًا مثل قانون التجارة لعام 1974، الذي يتيح فرض رسوم محدودة المدة والنطاق من دون الرجوع إلى الكونغرس.
في الأثناء، تبقى الأسواق العالمية في حالة ترقب شديد لما ستؤول إليه المعركة القضائية، وسط مخاوف من تعطيل المفاوضات التجارية وازدياد حالة عدم اليقين لدى الشركات المستوردة والمصدّرة، وهو ما قد ينعكس باضطراب في سلاسل الإمداد وضغوط تضخمية مؤقتة. صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية وصفت القرار بأنه "ضربة قوية" لإحدى الركائز الأساسية لسياسة ترامب التجارية، مشيرة إلى أن تثبيته من المحكمة العليا قد يعقّد عشرات الصفقات التي جرى التفاوض عليها في السنوات الماضية.
ويرى خبراء أن هذا النزاع قد يترك أثرًا عميقًا على صورة السياسة الاقتصادية الأميركية وعلى العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل قد يعيد رسم قواعد اللعبة في التجارة الدولية لسنوات مقبلة، في حين يصرّ ترامب على المضي في معركته القضائية والسياسية للحفاظ على الرسوم الجمركية باعتبارها ورقته الأهم في معادلة الضغط والمساومة.
الـــمــــزيــــــــــد
