وجع لا يندمل
"كأنّه مبارح"… بهذه الكلمات تختصر جنا، أم لطفلين، ذاكرتها عن ذلك اليوم المشؤوم. في حديثها إلى "ليبانون ديبايت"، تستعيد تفاصيل الرعب: "طيران، قصف، دمار، صريخ أطفال، وزحمة خانقة"، وتضيف بغصّة: "الوضع ما بينوصف… فعلاً تنذكر وما تنعاد".
جنا ما زالت تحمل في قلبها هواجس ذلك النهار، يوم حملت أمها المريضة وأطفالها وسط أصوات الانفجارات. يوم سلكت طريق النزوح الذي تحوّل إلى جحيم: من انطلق قبل الحادية عشرة صباحًا احتاج إلى خمس ساعات للوصول إلى بيروت، أما من تأخّر دقائق قليلة فعلق في رحلة استمرت 12 ساعة أو حتى 24 ساعة. سيارات معطّلة، وقود مفقود، أطفال يبكون، وأمهات يصرخن… أوتوستراد صور – بيروت لم يكن مجرد طريق، بل صورة حية للنكبة.
زينب وحكاية الدم
أما زينب، أم لثلاثة أطفال، فقصّتها محفورة في جسدها قبل ذاكرتها. كانت تحضّر حقائب النزوح حين سمعت أذان الظهر، فصلّت مع عائلتها قبل أن تهمّ بالمغادرة. دقائق قليلة فصلتها عن المأساة: غارة إسرائيلية استهدفت راجمة قريبة من منزلها، حوّلت المكان إلى جحيم.
زينب أصيبت بحروق في ظهرها، فيما اخترقت شظيّة جسد ابنها أمير، فمزّقت بطنه وخرجت من ظهره، قاطعةً إصبع يده. وبعد عشرة أيام فقط، فارق الحياة. تقول بصوت متهدّج: "دم ابني مش رخيص… حياتي خلصت يوم راح".
نزوح محفور بالذاكرة
مرّت سنة، لكن الجرح لم يلتئم. في ذكرى الحرب، استعاد اللبنانيون صورهم وفيديوهاتهم مرفقة بعبارات وجع: "اليوم المشؤوم"، "النكبة"، "تنذكر وما تنعاد"… كلمات تكررت في شهاداتهم تختصر حجم المأساة.
واليوم، فيما يسترجع اللبنانيون ذكريات ذلك اليوم المشؤوم، تتكرّر المجازر: واحدة منذ يومين في بنت جبيل، وقبلها بأسبوع في النبطية – كسار زعتر، ليترسّخ الشعور بأن الجنوب لا يزال يدفع الثمن.
الخوف يتجدّد
ومع حلول الذكرى الأولى للحرب التي استمرّت 66 يومًا، لا يزال اللبنانيون يعيشون تحت وطأة الخوف: هل تعود الحرب لتدمّر منازلهم من جديد؟ هل سيُجبرون مرة أخرى على النزوح؟
هذه المخاوف تضاعفت أمس مع تصريحات الموفد الأميركي توماس براك، ومع تهديدات الجيش الإسرائيلي بالتدخّل المباشر "في حال لم تعمل الحكومة اللبنانية على سحب سلاح حزب الله".
أمام هذا المشهد، يعيش اللبنانيون — ولا سيما الجنوبيون — على حافة القلق. الذكرى ليست فقط استعادة لماضٍ أليم، بل إنذار من مستقبلٍ قد يعيد نفسه في أي لحظة. بين جراح حرب لم تندمل وتهديدات تتصاعد، يبقى السؤال المقلق: هل نحن أمام حرب أخرى تُكتب فصولها قريبًا؟