المحلية

محمد علوش

محمد علوش

ليبانون ديبايت
الثلاثاء 30 أيلول 2025 - 07:36 ليبانون ديبايت
محمد علوش

محمد علوش

ليبانون ديبايت

أزمة تفسير “الطائف”: الثنائي الشيعي يعتمد الهجوم بظلّ النص الغائب والتأويل الحاضر

أزمة تفسير “الطائف”: الثنائي الشيعي يعتمد الهجوم بظلّ النص الغائب والتأويل الحاضر

"ليبانون ديبايت " - محمد علوش


منذ أن وُقّع اتفاق الطائف عام 1989، لم يكن مجرّد وثيقة دستورية تنظم عمل الدولة اللبنانية، بل كان في جوهره تسوية سياسية إقليمية ـ دولية أنهت الحرب الأهلية تحت رعاية سعودية وأميركية وبمباركة سورية. غير أنّ الطائف لم يتحوّل يوماً إلى عقد وطني ناجز بقدر ما صار ساحة تأويل مفتوحة، تُقرأ بنوده على ضوء موازين القوى أكثر مما تُطبَّق كما كُتبت، وهذه هي عقدته الأساسية حيث بات بمثابة نص معلّق، وتفسير متنازع عليه، وتطبيق انتقائي يخدم أصحاب النفوذ على الأرض، والمشكلة الحقيقية بدأت بعد خروج النظام السوري من لبنان وسقوط المظلّة الدولية العربية التي كانت ترعى التوازنات.


لقد نصّ الاتفاق على إصلاحات جوهرية مثل إلغاء الطائفية السياسية تدريجياً عبر هيئة وطنية، واعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة، وإنشاء مجلس شيوخ يضمن تمثيل الطوائف، فضلاً عن تعديل صلاحيات الرئاسة الأولى لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعاً، وصولاً إلى حلّ الميليشيات وجمع السلاح لصالح الدولة. لكن ما طُبِّق فعلياً اقتصر على البنود التي أعادت توزيع السلطة بين الطوائف، فيما بقيت الإصلاحات الكبرى معلّقة، وكأنّ الهدف كان إعادة إنتاج النظام الطائفي بصورة جديدة لا تفكيكه، بما يخدم الأجندة العربية يومها.


بحسب مصادر قيادية في الثنائي الشيعي، هنا بدأ الخلاف المزمن حول أي طائف نريد، مشيرة عبر “ليبانون ديبايت” إلى أنّ هناك من يراه سقفاً نهائياً للنظام السياسي لا يجوز المساس به لأنه يحمي توازن القوى القائم، وهناك من يذكّر دوماً بأن الطائف لم يُطبَّق أصلاً، وأن العودة إلى روحه الإصلاحية وحدها تضمن الاستقرار. وبين الموقفين، ظلّ النص يتحوّل إلى مرآة مصالح. فحين تريد بعض القوى ضرب المقاومة تُبرز بند حلّ الميليشيات، وحين تريد تكريس نفوذها تتمسّك ببنود الصلاحيات وتدفن الإصلاحات في الأدراج.


ترى المصادر أنّ هذه الجدلية تنعكس بوضوح في النقاش حول سلاح المقاومة اليوم، فخصوم حزب الله يعتبرون أنّ الطائف يشمله ببند حلّ الميليشيات، بينما يصرّ الحزب على أنّ المقاومة لم تكن جزءاً من الحرب الأهلية حتى تُصنّف ميليشيا، بل هي حركة تحرر وطني قاتلت الاحتلال الإسرائيلي وما زالت تحمل مشروعية التحرير والدفاع، وهو أمر منصوص عليه ضمن الاتفاق. من هنا جاءت معادلة معقّدة قوامها أنّ الدولة لم تستطع لا نزع السلاح بالقوة، ولا إدماجه بالكامل في مؤسساتها الرسمية، فبقي السلاح خارج معادلة الميليشيات وداخل معادلة الدفاع الوطني في الوقت نفسه.


اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يعيش الطائف أكبر اختبار له حيث الدولة في أزمة بنيوية، والثقة بين المكوّنات الوطنية تكاد تنعدم، بعدما تحوّل الاتفاق من أرضية مشتركة إلى أداة صراع. أما على المستوى الإقليمي، فقد تراجع الدور السعودي الراعي، وانسحبت سوريا من المشهد بعد خروجها من لبنان وحربها الطويلة وسقوط النظام، فيما حاول الإيراني والفرنسي والأميركي ملء الفراغ. في هذا السياق، يبرز خطاب جديد لدى حزب الله وحلفائه يدعو إلى “تطبيق الطائف كاملاً”، أي إعادة تفعيل البنود الإصلاحية التي جرى تعطيلها عمداً، وليس الاكتفاء بما كرّس المحاصصة. وبحسب المصادر، فإنّ هذا الخطاب يعكس تحوّلاً من التعامل مع الطائف كتسوية فرضتها موازين الخارج، إلى استخدامه كورقة ضغط داخلية ضد القوى التي ادّعت الدفاع عنه بينما شوّهت روحه، لأن فريق المقاومة يُدرك أن تطبيق الطائف كاملاً يعرّي خصوم المقاومة، خصوصاً بما يتعلّق بإلغاء الطائفية السياسية وإجراء الانتخابات وفق قانون يعتمد الدوائر الكبرى خارج القيد الطائفي، وهو ما يُكبّل القوى التي تعتمد التجييش الطائفي في الانتخابات.


الثابت بحسب المصادر هو أنّ الطائف بصيغته الحالية لم يعد ضمانة للاستقرار، بل صار عنواناً لأزمة دائمة في التفسير والتطبيق. وإذا كان خصوم المقاومة يستخدمونه لتبرير دعواتهم لنزع السلاح، فإنّ الثنائي الشيعي اليوم يرفعه شعاراً لتطبيق البنود الإصلاحية المعطّلة، في انقلاب على معادلة الماضي، وذلك بعد نصيحة تلقاها الثنائي بأن طريقة الدفاع لم تعد تخدم الهدف، فالأجدى الهجوم بمسألة الطائف، وحشر الجميع. علماً أنّ هناك قناعة لدى هذا الفريق أنّ الطائف لم يصنّف المقاومة بالميليشيا، ولو أنّهم يسلّمون جدلاً بمسألة حصر السلاح بعد تحقق الشروط والظروف المطلوبة، وهو ما لا يرونه قابلاً للتحقق في الوقت الراهن.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة