فالقول الشائع: "عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان"، لا ينطبق فقط على الأفراد، بل على المؤسسات أيضًا، وفي مقدمتها السلطة القضائية، التي تُفترض أن تبقى الملاذ الأخير لعدالة مجرّدة من الضغوط، وعابرة للاصطفافات.
هذا الامتحان، يتمحور حول الدعوى القضائية التي رفعها موقع "ليبانون ديبايت" بحق رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية، شارل جبور، على خلفية اتهامات خطيرة طاولت الموقع وناشره. ورغم استدعائه رسميًا، امتنع جبور عن المثول أمام القاضي الحجار مرتين متتاليتين، متعاملًا مع القضاء بعقلية متعجرفة لا تخلو من الشعور بالفوقية، كما لو أن الالتزام بالمثول القضائي ترفٌ يُمنح لمن يختار فقط، لا واجبٌ يطال الجميع.
وفي مشهد يثير التساؤلات والشكوك، قرر القاضي الحجار إقفال الملف، مع وعد بالادعاء لاحقًا، خطوة تبدو نظرية حتى الساعة، ما لم تُترجم بتحرك قضائي فعلي، خاصة أن المدعى عليه معروف الاسم والمكان والانتماء السياسي، ما يجعل إصدار مذكرة جلب أمرًا قابلًا للتنفيذ فورًا إن وُجدت النيّة.
وفي المقابل، استُدعي الإعلامي علي برو إلى فصيلة الروشة، بجرم التعرض لرئيس الحكومة، فرفض المثول بحجة أن الإعلاميين لا يُحقق معهم أمام الضابطة العدلية. وهنا يُطرح السؤال المحوري:
هل سيتم إقفال ملف برو كما تم إقفال ملف جبور؟أم أن ميزان العدالة سيُستخدم لتفضيل طرف على آخر؟
تبرير البعض أن برو "تعرّض لرئاسة الحكومة" لا يصمد قانونيًا أو أخلاقيًا، لأن مفهوم العدالة لا يُجزّأ، والمواطنون في لبنان سواسية أمام القانون. فإن كان التعبير يُعدّ جرمًا في حالة، فلا بد من معاقبة الجميع على قدم المساواة، أو إعفاء الجميع، وليس التمييز بناءً على الانتماء السياسي أو الجهة المدّعية.
فإما أن يُحاسب شارل جبور وعلي برو أمام القضاء بنفس المعايير، وإما فليُقفل ملف برو كما أُقفل ملف جبور، وإلّا سنكون أمام فضيحة قضائية عنوانها: العدالة بالهوية والانتماء.
فما معنى أن يتعاطى أحدهم مع القضاء كأنه فوقه؟ وما معنى أن يُعامل ملف جبور ببرودة ولامبالاة رغم خطورة الاتهامات، فيما تُفتح ملفات إعلاميين آخرين على مصراعيها بمجرد تغريدة أو تعليق؟
أمام القاضي الحجار اليوم فرصة لتصويب البوصلة،فإما أن يكون القضاء فوق الجميع، وإما أن يُكرّس القناعة السائدة بأن في لبنان قضاء "على ناس وناس".