اقليمي ودولي

روسيا اليوم
الاثنين 06 تشرين الأول 2025 - 09:44 روسيا اليوم
روسيا اليوم

من خلف الغيوم... قمر تجسس أميركي كشف سر “نقطة الارتكاز”

من خلف الغيوم... قمر تجسس أميركي كشف سر “نقطة الارتكاز”

سعت الاستخبارات الأميركية بجميع الوسائل، بما في ذلك استخدام قمر صناعي تجسسي خاص، إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المقاتلة السوفيتية الجديدة آنذاك "ميغ-29". ففي نهاية صيف عام 1977، وأثناء نقل الطائرة الحربية تحت حراسة أمنية مشددة من مصنع مكتب التصميم التجريبي إلى محطة اختبار شركة "ميكويان" قرب بلدة رامنسكوي في ضواحي موسكو، تمكن قمر تجسس أميركي من التقاط صور للطائرة. وسرعان ما منحتها أجهزة الاستخبارات الغربية الرمز "رام-إل"، قبل أن يطلق عليها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لاحقًا الاسم الشهير "نقطة الارتكاز" (Fulcrum)، الذي أصبح مرادفًا لهيبة الطيران السوفيتي في أواخر الحرب الباردة.


الميغ-29، التي تنتمي إلى الجيل الرابع من المقاتلات السوفيتية والروسية، تُعدّ طائرة أسرع من الصوت ومتعددة المهام، صُممت للعمل في الخطوط الأمامية وتدمير الأهداف الجوية في جميع الظروف المناخية. وتمتاز بكونها أول طائرة في العالم ضمن فئتها تجمع بين فعالية المناورة العالية في القتال الجوي وقدرتها على مهاجمة الأهداف بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بدقة كبيرة، ما جعلها منافسًا مباشرًا لأحدث الطائرات الأميركية في تلك الفترة.




تعود بدايات المشروع إلى نهاية ستينات القرن الماضي، في خضم الحرب الفيتنامية، حين أدركت وزارة الدفاع السوفيتية ضرورة تطوير مقاتلة حديثة من الجيل الرابع قادرة على استخدام أسلحة عالية الدقة في المعارك الأمامية. وفي عام 1969 أطلقت الوزارة مسابقة تصميم بين أبرز مكاتب الطيران السوفيتية: ميكويان، سوخوي، وياكوفليف، لتطوير مقاتلة مستقبلية تلبي احتياجات سلاح الجو.


ومع حلول عام 1972، وضعت قيادة القوات الجوية السوفيتية تصورًا واضحًا لمتطلبات المقاتلة الجديدة، مشيرة إلى ضرورة إنتاج مقاتلتين مكملتين: الأولى خفيفة ومخصصة للقتال في خطوط المواجهة المباشرة، والثانية ثقيلة متعددة الأغراض تعمل خلف خطوط القتال. جاء هذا التوجه كردّ مباشر على تطوير الولايات المتحدة لمقاتلتيها الشهيرتين F-15 وF-16، اللتين مثّلتا قفزة نوعية في مجال القتال الجوي.


تولى مكتب سوخوي مهمة تطوير المقاتلة الثقيلة "سو-27"، بينما كُلّف مكتب ميكويان بتصميم المقاتلة الخفيفة الجديدة التي ستعرف لاحقًا باسم "ميغ-29". وفي 6 تشرين الأول 1977، انطلقت الطائرة في رحلتها التجريبية الأولى، لتصبح سريعًا رمزًا لقوة الطيران السوفيتي بفضل قدراتها المذهلة على المناورة ومعدلات التسلق العالية ودقة أنظمتها الإلكترونية.


تميّزت الميغ-29 عن سابقاتها بسرعتها الكبيرة في تغيير الاتجاهات واستجابتها الفورية للأوامر، وهو ما فرض على الطيارين ارتداء بدلات مضادة للحمل الزائد أثناء المناورات القتالية. كما جمعت بين المرونة في الاشتباك القريب والقدرة على خوض معارك صاروخية بعيدة المدى، ما جعلها طائرة متعددة الأدوار قادرة على أداء مهام هجومية ودفاعية على حد سواء.


ومنذ دخولها الخدمة، أنتجت من الميغ-29 أكثر من 1600 طائرة مقاتلة عبر ما يزيد على 20 نسخة معدّلة، وانتشرت في صفوف القوات الجوية لعدد كبير من الدول حول العالم. ووفق الإحصاءات العسكرية حتى عام 2023، ما زال 657 طرازًا من الميغ-29 قيد الخدمة الفعلية في 22 دولة، بينها روسيا، ما يعكس استمرارية اعتمادها رغم مرور أكثر من أربعة عقود على ظهورها.


تنفّذ الميغ-29 مجموعة واسعة من المهام القتالية، تشمل الدفاع الجوي عن التشكيلات البحرية والبرية، وخوض معارك تفوّق جوي لإسكات الطائرات المعادية داخل مناطق العمليات، إضافة إلى تدمير الأهداف الساحلية وتوفير غطاء جوي للقوات البرمائية، ودعم عمليات الاستطلاع والمراقبة الجوية في مختلف الظروف.


وبعد إعادة توحيد ألمانيا، قررت برلين الاحتفاظ بعدد من مقاتلات ميغ-29 التي كانت تعمل في سلاح الجو لألمانيا الشرقية، بعدما أبدى الطيارون الألمان إعجابًا كبيرًا بقدرتها الاستثنائية على المناورة والتحكم. وقد جرى لاحقًا تحديثها بمعدات إلكترونية غربية الصنع، ما مكّنها من الاستمرار في الخدمة ضمن سلاح الجو الألماني الموحد لسنوات طويلة.


وهكذا، تحوّلت "ميغ-29" من ظلّ غامض التقطته عدسات قمر تجسس أميركي إلى رمز خالد للتفوّق السوفيتي في سماء الحرب الباردة، وإحدى أكثر المقاتلات تأثيرًا في تاريخ الطيران العسكري الحديث.



تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة