تؤكد الإدارة الأميركية في أكثر من مناسبة استعدادها لتقديم التسهيلات الممكنة والضرورية للحكومة الجديدة في دمشق، وقد شهد هذا العام خطوات متبادلة في هذا الاتجاه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع.
وفي هذا السياق، التقى ترامب بالشرع في الرياض بطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث حرص الرئيس السوري على التأكيد على التزاماته تجاه الجانب الأميركي، ولا سيما في ما يتعلق بمحاربة داعش والجماعات المسلحة.
وفي موازاة ذلك، اتخذت سوريا خطوات باتجاه إسرائيل، إذ تلت المفاوضات غير المباشرة اجتماعات رسمية عُقدت في باريس. وأكدت مصادر موثوقة في العاصمة الأميركية لـ"العربية/الحدث" أن الاتصالات بين ممثلين عن الحكومتين السورية والإسرائيلية مستمرة حالياً بعيداً عن الأضواء، وإن لم تُحقق تقدماً يُذكر حتى الآن.
وأشارت مصادر حكومية أميركية إلى وجود تباين واضح في مقاربة الملف السوري، في ظل تناقض كبير بين الموقفين السوري والإسرائيلي. ولفتت إلى أن دمشق، بدعم من تركيا، تصرّ على بناء دولة مركزية، وترفض فتح الباب أمام صيغ فيدرالية أو كيانات قائمة على أسس قومية أو دينية.
هذا التوجّه يلقى ترحيباً من الموفد الأميركي توم برّاك، الذي يشغل أيضاً منصب السفير الأميركي لدى تركيا. في المقابل، ترى مجموعات أخرى داخل الإدارة الأميركية أن الحل الأنسب يتمثل في دولة لا مركزية، مع ضمان حقوق الأقليات الدينية والعرقية من خلال صيغ فيدرالية، ويُعدّ من أبرز الداعمين لهذا الطرح مورغان أورتاغوس، التي تعمل حالياً على ملف لبنان ولها دور في الوفد الأميركي إلى الأمم المتحدة.
ويتقاطع هذا التيار داخل الإدارة الأميركية مع المواقف الإسرائيلية، إذ كرّرت حكومة بنيامين نتنياهو الحالية أمام واشنطن أن الدروز في إسرائيل يشكّلون وزناً سياسياً مؤثراً ولديهم مطالب، مؤكدة رغبتها في ضمان وحماية الدروز السوريين، ولا سيما في جنوب سوريا.
وبحسب المصادر، هناك مساعٍ أميركية للتوصل إلى ترتيبات تحظى بقبول جميع الأطراف، وهي المهمة التي اضطلع بها توم برّاك خلال الأيام الماضية، وسط توقعات بمزيد من الجهود قبل زيارة نتنياهو المرتقبة إلى فلوريدا في نهاية هذا الشهر للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويُعدّ الموقف السوري، وفق المعطيات، الأكثر وضوحاً، إذ أبلغت دمشق واشنطن استعدادها لاتخاذ إجراءات كافية لطمأنة إسرائيل، مؤكدة مراراً أنها لا ترغب في أن تكون منطلقاً لتهديد أمن الجوار.
في المقابل، شددت سوريا على مطلبين أساسيين: الأول انسحاب إسرائيل إلى خط فك الارتباط وعدم حصول تدخلات إسرائيلية مباشرة مع دروز سوريا، والثاني حسم ملف شمال شرق سوريا مع "قسد"، مع الحفاظ على الدعم التركي للدولة السورية.
وفي هذا الإطار، أفادت مصادر في الحكومة الأميركية بأن إسرائيل أبلغت واشنطن رفضها لأي نفوذ تركي داخل سوريا أو وجود لأنقرة على الأراضي السورية. كما أكدت إسرائيل أن المناطق التي سيطرت عليها لن تُعتبر محتلة، وأنها ستُعاد إلى الدولة السورية عندما تطمئن إلى الترتيبات الأمنية، وحتى السياسية، وخصوصاً في منطقة جنوب دمشق وصولاً إلى الجولان.
ولا يزال من غير الواضح تماماً ما الذي يريده الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المدى البعيد في الملف السوري، إلا أن الإدارة الأميركية تعتمد حالياً سياسة مرحلية تقوم على التعاون مع الدولة السورية الجديدة ومنع الانزلاق إلى مواجهة مع إسرائيل.
كما تولي واشنطن أهمية كبرى للتعاون مع الشرع وحكومته في مكافحة داعش والقاعدة، ومنع استخدام الأراضي السورية منطلقاً لأي نشاط مسلح.
وفي هذا السياق، قال مسؤول أميركي لـ"العربية/الحدث.نت" إن التجربة الأميركية في العراق كانت "رائعة"، معتبراً أن الولايات المتحدة تسعى إلى تكرار النجاح نفسه في سوريا.
وأوضح أن التعاون مع القوات العراقية مكّن بغداد من بسط سيطرتها على أراضيها، ما سمح بانسحاب القوات الأميركية مع الاطمئنان إلى قدرة العراقيين على متابعة المهمة، في حين عاد الأميركيون إلى بلادهم أو أعادوا انتشارهم في كردستان العراق.
وأشار المسؤول إلى أن إدارة ترامب تعتبر القضاء على الجماعات المسلحة في سوريا أولوية قصوى، مشدداً على ضرورة تحقيق الاستقرار في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة داعش، إذ إن الاضطراب، بحسب واشنطن، يزعزع الأمن ويشكّل تهديداً للأراضي الأميركية وللأميركيين في مختلف أنحاء العالم.
وأضاف أن ما تقوم به الولايات المتحدة بالتعاون مع شركائها وحلفائها يشكّل "استثماراً"، في إشارة إلى الدول المشاركة في التحالف ضد داعش.
كما أكد أن واشنطن ترى فرصة جدية في التعاون الحالي مع السلطات السورية، وتسعى في مرحلة قريبة إلى إنهاء ملف المعسكرات والمخيمات في شمال شرق سوريا، التي تعتبرها بيئة خصبة لإعادة إنتاج الجماعات المسلحة.
أما مسألة السلام مع إسرائيل، فرأى المسؤول الأميركي أنها ستبقى موضع اهتمام الأطراف المعنية والرئيس الأميركي في مرحلة لاحقة.