"ليبانون ديبايت" - كريستل خليل:
في زمن مواقع التواصل الاجتماعي, وجيل الحاضر والمستقبل, في زمن بات "الانترنت" اختصار لكل العلاقات في العالم, والصور و"البوستات" ترجمة لأصدق لحظات حياتنا, وفي حين بات العالم كله محصور في هذا الابتكار الذي حول العالم إلى قرية صغيرة واخترق كل بيت ومؤسسة, ابتعد الناس كثيرا عن كل ما هو وجداني يمس بالشعور الحقيقي, فاختصرت كل حالة اعجاب بـ "لايك", وتحولت كل "مصيبة" او كارثة "سكوب" للتداول عبر الوسائل الاعلامية, تَجرّد الناس من كل ما هو صادق.. الى ان تقرأ "حكي دارج عالورق بـ "بيك أسود"..
"حكي دارج", "عالورق"و "بيك أسود".. انها صفحات اشتهرت على مواقع التواصل الاجتماعي بخاصة "الفيسبوك" منها, اصحابها ليسوا بشعراء, وليسوا بفلاسفة, بل اتصفوا بالصدق والعفوية, فاستطاعوا بذلك ملامسة قلوب كل من تصفح هذه الصفحات عبر اظهار كم من المشاعر الصادقة والمواقف اليومية التي يعيشها كل فرد منا.. اخترت تلك الصفحات الثلاث من بين العديد من امثالها التي "درجت" في الفترة الاخيرة بين رواد المواقع.. فماذا عنها؟
عندما تكون بحالة من الحزن الشديد, او السعادة, وتحتاج من يشاركك احساسك هذا, عندما يكون جل ما تريده هو جرعة من "الأمل" في زمن كثُرت فيه الخيبات, او عندما فقط تريد ان تعيد الى خيالك ذكريات بائسة كانت او مرحة.. يمر امام نظرك "كلمات" ليست كالكلمات! أحرفٌ كُتبت باللغة "العامية" كي تحاكي احاسيسنا, وتلامسها. من سبق ان تصفح هذا النوع من الصفحات عرف ماذا اقصد..
"بيك اسود" لصاحبها الاعلامي جيري غزال الذي شهر هذا النوع من الكتابة, وجعل كل من قرأ له يشعر وكأنه يعرف غزال منذ زمن بعيد, او كأنه يعيش معنا بكل تفاصيل حياتنا, أما الحقيقة فهي ان غزال جعلنا فقط نتذكر اننا جميعنا كنا أطفال, وجميعنا أحببنا, ورسبنا, نجحنا, بكينا, ضحكنا, توجعنا, وانجرحنا, ببساطة كلام جيري قربنا الى بعضنا البعض اكثر لنكتشف اننا لسنا بعيدين كل البعد بل نحن متشابهون لا بل نتشارك بكل شيء, قرب جيري المسافات التي كانت الانترنت كفيلة بسرقتها منا, كسر قاعدة "الجفى" والغموض واعطى رواد المواقع مادة حية "عن صدق المشاعر".
صحيح ان جيري هو الاشهر, وهو تقريبا الاول, ولكن شجاعته بمشاركتنا ما يعيشه, دفع بالعديد من اصحاب المواهب امثاله تفجير ما بداخلهم, ويا للمفاجأة!! ظننا ان الشباب جفت أحاسيسهم, وبردت تعابيرهم, ظننا ان زمن الكلمة قد مات, وصدق المشاعر انتهى.. ولكن "عالورق", "حكي دارج", "افكاري" والكثير غيرها أظهرت ما بداخل كل منا من صدق, ألم, من خيانة او سعادة, دون الخوف من التعبير, حتى بالصلاة جعلتنا نتشارك, فأصبحنا شركاء في الحياة بكل تفاصيلها... فالخواطر التي يفكر كل منا فيها، وجرأتنا بالافصاح عنها, تترجمت الى ان أصبحت حبرا على ورق، أو بالأحرى، "بيك أسود" على صفحات رقميّة.
"رغم كل اللي صار، رغم الحلو والمر، رغم اللي راح ورغم اللي جايي، رغم الناس اللي إجو نعمة ع حياتك، ورغم الناس اللي رحيلن كان نعمة، رغم اللي فات ع حياتك ت يئذيك، ورغم اللي فات ت يعمّر ويعلّي فيك، انت اليوم هون، مطرح ما انت، كل جرح ع جسمك او بقلبك بِخبّر اللي قطعت فيه ووصّلك لمطرح ما وصلت. انت هون، يعني كل اللي جرّب يوَقفَك، دعست عليه ومشيت، ولو حتّى شال شقفة منّك. انت اليوم هون، بنهار جديد، بفرصة جديدة، بحياة كل يوم بتتجدّد، وما بعمرا رح توقف. صباح الخير..." تفاؤل, أمل وابتسامة هذا ما تشعر به عند قراءة هذه الكلمات, فما يكتبه جيري لا يمكن ألّا يؤثر فيك!
وعند سؤاله لماذا وكيف تكتب, أجاب غزال "ببساطة أكتب.. فكل ما يخطر في بالي من أفكار أو خواطر اترجمه بهذه الطريقة.. فقرار الكتابة "مش بإيدي بس يطلعو معي بيطلعو ما فيني قرر و أكتب". في بداية الامر كان غزال يكتب كهواية, ويشارك الناس الى ان نال هذا النوع من الكتابة اعجاب الجميع من كل الفئات والاعمار, ولقي شهرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي, فأصبحت ترى خواطر جيري في كل مكان!!
ويضيف جيري في حديث لموقع "ليبانون ديبايت": "الآن أشعر بمسؤولية أكبر عندما أكتب, فالاقبال الكثيف من الناس على قراءة ومشاركة "كتاباتي" يدفعني الى اتخاذ حذر اكبر من اي خطأ ممكن ارتكابه. ففي البداية لم أكن أعلم ان الناس ستتفاعل معي الى هذا الحد, وأستغرب ما وصلت اليه الامور فالنتيجة كانت مفاجئة حتى انهم طالبوني بكتاب, وهو ما فعلته وأصدرت كتاب "بيك أسود".
أما كتاب "بيك أسود" فهو الانجاز الاكبر, لأن "خواطر غزال" التي جُمعت وتُرجمت في هذا الكتاب أعاد الناس الى حب القراءة بعد حالة تقشف هائلة كانت قد أصابت هذا الشعور, واللافت هو الاقبال الكثيف من الفئة العمرية الشابة التي حظي الكتاب باهتمامها و اعجابها, فقصدنا المكتبات من جديد باحثين عن كتاب غير كتب المدرسة لقراءته وهو "بيك أسود".
فمن وراء العاطفية التي يتمتع بها في التفكير والاسلوب والتعبير..؟! يرد جيري ضاحكا "أكيد في حدا ورا هالكتابات.. بس مش كل "بيك أسود" بيتمحور حول شخص واحد, بيختلف هالشي, ناس بتحبن, ناس بترتحلن, امك, عيلتك, الصلاة, حتى يمكن يكونو مجرد أشخاص متعرف علين عن جديد... أو حب."
ويميز غزال تعلّقه وحبه لعائلته, فهي "نقطة ضعفه", ومصدر قوته في آن, فالأولوية للعائلة وبخاصة أمه الذي يفاجئنا بكم الحب والتقدير الذي تحمله كلماته لها.. وهو ما تلاحظه عند قراءة "بيك أسود" .. فهو مستعد ان "يقتل" من يجرأ على المس بعائلته فهي "خط أحمر" بالنسبة له!
وفيما اصبحت "الانترنت" هي العامل الاهم والضروري في حياة كل منا و"الشغل الشاغل" ومواقع التواصل الاجتماعي هي المرافق الدائم لنا.. نأمل ان تبقى الايجابية والامل, والصدق هي اللغة الوحيدة المتداولة عبرها!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News