المشهد الذي شهده الجنوب بالأمس قد يتكرر في مناطق أبعد، ولا سيما الضاحية الجنوبية لبيروت، في ظل القرار الأميركي المترجم إسرائيلياً بتجاوز كل التنازلات التي قدمتها الحكومة اللبنانية والمضي نحو موجة تصعيد جديدة، خصوصاً قراري 5 و7 آب المتصلين بـ”حصر السلاح”، ونتائج جلسة الحكومة في 5 أيلول الذي تضمن تقديم الجيش اللبناني خطةً لمعالجة الملف.
الاعتدءات الإسرائيلية الأخيرة أعادت إلى الواجهة التحذير الذي أطلقه جيش الاحتلال قبل نحو شهرين حين زعم وجود مصانع مسيّرات لحزب الله داخل الضاحية الجنوبية. يومها أعلن استعداده لقصفها لكنه أرجأ التنفيذ. وكان في ذلك يعطي إشارة حيال إستعداداته. لكن ما فهم يومها بأن البيان جاءت في سياق تسويق ما سمي "فترة سماح برعاية أميركية للدولة اللبنانية" ولأجل منح الأخيرة “مهلة” لمعالجة سلاح الحزب.
أما أمس، فقد كان واضحاً أن الهجمات الإسرائيلية المدعومة أميركياً لا تستهدف بيئة حزب الله وحسب، إنما تستهدف الجيش على نحوٍ مباشر، وتزيد من إحراجه أمام الرأي العام. فواشنطن وتل أبيب تطالبان المؤسسة العسكرية بإجراءات أكثر وضوحاً وصرامة تجاه حزب الله لا تقتصر على جنوب الليطاني بل تتجاوزه شمالاً، في حين أن المؤسسة العسكرية تتجنب إتخاذ أي إجراءات قد تفسر على أنها نوع من الإستفزاز أو قد تؤدي لأخذ البلد إلى مواجهة.
في المقابل، يتمسّك الجيش بخطته التي سلّمها إلى الحكومة، والتي لم تحظَ بأي قبول أميركي أو إسرائيلي، وهو ما عبّر عنه بوضوح أمس. ومن موقعه الذي صنفه لنفسه كجهة مستهدفة، أصدر بياناً لوّح فيه بوقف الإجراءات المتخذة جنوب الليطاني، متهماً إسرائيل بأنها “ستتسبب في عرقلة تنفيذ خطة الجيش ابتداءً من منطقة جنوب الليطاني”، في رسالة فهم أنها موجّهة إلى واشنطن بقدر ما هي إلى تل أبيب.
في الأجواء السائدة ببيروت، يبرز أن واشنطن –من خلال مورغان أورتاغوس التي تتسلّح بإتفاقية 27 / 11– تعمل على إعادة تفعيل آلية “الميكانيزم” على إعتبار أنها الأداة الأكثر فعالية لإجبار قيادة الجيش على تبنّي خطوات عملياتية أكثر صرامة، تتجاوز خطته الرسمية. وهنا تكمن خشية الجيش ومستويات سياسية أخرى، ترى أن تفعيل اللجنة على نحو ما تريده واشنطن سيضعها في موقع المنفّذ ضمن ترتيبات أمنية تخدم العدو، من خلال تزويده بمعلومات محددة ومقيدة بمهل زمنية تنفيذية ترمي لوضعه في مواجهة حزب الله. في المقابل، يفضّل الجيش –طالما أن إسرائيل ترفض الإقدام على أي خطوة حقيقية- الإبقاء على الصيغة الحالية القائمة على تنسيق جوّال غير مقرون باجتماعات دورية.
هذا التوجّه يتناقض مع ما تحمله أورتاغوس، المتوقع وصولها مطلع الأسبوع المقبل حاملة مقترح إعادة تفعيل الآلية. وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، يُرجح أن تصطحب أورتاغوس معها الضابط الأميركي الجديد المرشّح لرئاسة اللجنة لاستلام مهامه خلفاً للرئيس الحالي الجنرال مايكل ليني وللمشاركة في إجتماع يُعقد لـ"الآلية" نهار الأثنين. ويتردّد أن الرئيس الجديد لـ"الآلية" مقرّب من قائد القيادة الوسطى الأميركية الأدميرال براد كوبر وهو من تولى تسميته بالتنسيق مع أورتاغوس. وتشير المعطيات إلى أن أورتاغوس –الآتية في مهمة أمنية لا سياسية– تسعى لإعادة إنتاج الآلية بما يتماشى مع التوجهات الأميركية الراهنة، عبر فرض اجتماعات أسبوعية تُستخدم كأداة لإصدار “توجيهات” للجيش، بما يتجاوز خطته الرسمية.
هكذا تبدو الإدارة الأميركية عازمة على زيادة رقعة الضغوطات. وقد بدأت بالفعل من خلال مناقلات شملت الملف اللبناني بأبعاده الأمنية – السياسية – الدبلوماسية. ففضلاً عن تغيير رئيس الميكانيزم، تقرر تثبيت تعيين السفير الجديد في لبنان ميشال عيسى الذي يتوقع أن يستلم مهامه منتصف الشهر المقبل، حيث سيترافق ذلك مع "سحب" المبعوث توم براك من الملف اللبناني وإعطاء دور أكبر لأورتاغوس.