في سجلّ المحتالين الكبار عبر التاريخ، تبرز تيريز هومبرت (Thérèse Humbert) كواحدة من أكثر الشخصيات إثارة للدهشة في فرنسا أواخر القرن التاسع عشر.
امرأة من عائلة فقيرة، نسجت خيوط خرافة الميراث الأميركي لتقنع البنوك والأثرياء بأن ثروة خيالية تنتظرها في خزنة مغلقة، فجنت منها عشرات الملايين — قبل أن تُكشف الحقيقة داخل صندوق يحوي... بنسًا واحدًا فقط. ولدت تيريز عام 1855 في أوسون بجنوب فرنسا. نشأت في أسرة فقيرة، وكان والدها نفسه محتالًا صغيرًا حاول خداع الناس بادّعاء امتلاكه إرثًا قريبًا. وبعد وفاته، قررت تيريز المضي على خُطاه — فبدأت بأول ضحاياها: زوجها فريدريك هومبرت، نجل وزير العدل الفرنسي.
قبل الزواج، زعمت أنّها الوريثة الوحيدة لقريبتها الثرية التي توشك على الموت، وأنّها ستنال ثروة طائلة. ورغم انكشاف الكذب، ظلّ زوجها معها — بل انضم لاحقًا إلى مخططاتها. عام 1879، ادّعت تيريز أنها أنقذت حياة مليونير أميركي يُدعى هنري روبرت كراوفورد أثناء رحلته بالقطار، وأنه أوصى لها بجزء كبير من ثروته.
لتُكمل المسرحية، زعمت أنّها تخوض دعوى قضائية ضد أبناء أخ المليونير لاسترداد الميراث، وشاركها إخوتها في التمثيلية بانتحال صفة ورثة كراوفورد.
حتى إنهم قدّموا وثائق "تسوية مزيفة" تثبت تنازل الورثة عن جزء من المال لصالحها.
بهذه القصة المحكمة، استطاعت تيريز اقتراض الملايين من البنوك والأثرياء بحجة انتظارها حكم المحكمة الذي سيمنحها الثروة قريبًا. وعندما طال انتظار الدائنين، لجأت إلى اقتراض جديد لسداد القديم — في ما يشبه نظام بونزي البدائي. بفضل الأموال التي جمعتها، اشترت تيريز قصر فيف أو (Vives-Eaux) على ضفاف نهر السين، قرب باريس، وعاشت حياة الأثرياء: حفلات، موائد فخمة، ومكانة اجتماعية رفيعة.
لم يشكّ أحد تقريبًا في حقيقة الميراث المزعوم — إلى أن صدر حكم قضائي بفتح الخزنة التي كانت تزعم أنها تحوي الوثائق الثمينة. عام 1902، فُتحت الخزنة أمام الجميع... فلم يجدوا فيها سوى قطعة نقدية واحدة من فئة بنس.
انكشفت أكبر عملية احتيال في تاريخ فرنسا الحديث، وفرّت تيريز وزوجها إلى مدريد، حيث أُلقي القبض عليهما وأُعيدَا إلى باريس. في نهاية المحاكمة، صدر بحقّ الزوجين حكم بالسجن خمس سنوات فقط — عقوبة اعتُبرت خفيفة للغاية بالنظر إلى الأضرار التي لحقت بالمجتمع والبنوك الفرنسية، بعدما قدرت الخسائر بنحو 50 مليون فرنك.
الشارع الفرنسي حينها انفجر غضبًا، واعتبر تيريز هومبرت رمزًا للجشع والخداع الراقي الذي استغلّ ثقة الأثرياء في زمنٍ كانت فيه الكلمة أقوى من الوثيقة.